98

ولعمري، إنه كصورة جمعية العالم المخلوق على صورة الرحمن، الدال بهيئته ونظامه، واشتماله على مظاهر الصفات الجمالية من الملائكة وأنوارها ومن ضاهاها، والصفات الجلالية من الأجسام وقواها وما شابهها، على وجود من له الخلق والأمر.

ونسبة سورة الفاتحة الى القرآن كله، كنسبة الإنسان - وهو العالم الصغير - إلى العالم - وهو الإنسان الكبير-.

وكما أن الإنسان الكامل كتاب وجيز ونسخة منتخبة، يوجد فيه كل ما في الكتاب الكبير الجامع الذي لا رطب ولا يابس إلا ويوجد فيه، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. كما قيل:

من كل أمر لبه ولطيفه

مستودع في هذه المجموعة

فكذلك فاتحة الكتاب، مع قصرها ووجازتها، توجد فيها مجامع مقاصد القرآن، وأسرارها وأنوارها، وليس لغيرها من سائر السور القرآنية هذه الجامعية، كما ليس لواحد من صور أجزاء العالم ما للإنسان من صورة الجمعية الإلهية على ما قيل:

ليس من الله بمستنكر

أن يجمع العالم في واحد

والعارف المحقق، يفهم من هذه السورة الواحدة جميع المعارف والعلوم الكلية المنتشرة في آيات القرآن وسوره، كما وقع التنبه عليه، ومن لم يفهم هذه السورة على وجه يستنبط منها عمدة أسرار العلوم الإلهية والمعالم الربانية؛ من أحوال المبدعو المعاد، وعلم النفس وما بعدها وما فوقها، الذي هو مفتاح سائر العلوم كلها، فليس هو بعالم رباني، ولا مهتد بتفسيرها على وجهه.

ولو لم تكن هذه السورة مشتملة كما قلنا على أسرار المبدء والمعاد، وعلم سلوك الإنسان إلى ربه، لما وردت الأخبار على فضلها، وأنها تعادل كل القرآن، إذ لا مرتبة ولا فضيلة لشيء بالحقيقة إلا بسبب اشتماله على الأمور الإلهية وأحوالها كما مر مرارا.

Unknown page