97

ففيها تنبيهات شريفة على أحوال أهل قبضة الغضب وأهل قبضة الرحمة.

وأما النوع الثالث: وهو التكميل وهو الأصل في الغاية وما سبق من التوقي والتطهير كان لأجله، فمشار إليه في تبديل السيئات حسنات. وأنت إذا تدبرت وفتشت حال الموجودات عند شدائدها وآلامها، وانقلاباتها الطبيعية والذاتية، التي بحسب الأسباب الباطنة، لا تجد منها أحدا إلا وقد ولاه الله إلى ما هو خير له مما كان أولا، ووجهه إلى أصله وكماله.

هذا ما اقيم عليه البرهان كما أشرنا من قبل، وحكم به الاستقراء والتجربة والوجدان، وفيه سر الربوبية وأحدية الفعل من حيث الأصل والفاعل والغاية، مع أنه لا مكره ولا مغضب ولا مزاحم ولا راد له تعالى من خارج.

وكان أصل ايجاده للعالم على أكمل وجه اقتضته حكمته ومشيته، فليس في الوجود جهة من الجهات، ولا وجه من الوجوه الوجودية، إلا وهو أصله ومبدأه ومنشأه فافهم وارق، فإنك إن علوت من هذه النمط، استحليت بسر القدر المتحكم في العلم والعالم والمعلوم. ومن رقا فوق ذلك رأى غلط الإضافات الشائعة في الأفعال والأسماء والصفات والأحوال، وإن رقا فوق ذلك، رأى الجمال المطلق الذي لا قبح عنده، ولا شر فيه، ولا غلظ ولا نقص ولا تخويف.

وإن رقا فوق ذلك، رأى الجور والعدل، والظلم والحلم والتعظيم والإهانة، والكتمان والإبانة، والوعد الوعيد، كلها محترقة بنور السبحات الوجهية مستهلكة في عرصة الحضرة الذاتية الأحدية، فإن رقا عن ذلك، سكت فلم يفصح، وعمي فلم ينظر، وذهب فلم يظهر، فإن أعيد ظهر بكل وصف، وكان المعنى المحيط بكل حرف.

فصل

في بيان نبذ من فضائل سورة الفاتحة

اعلم أن المقصد الأقصى واللباب الأصفى من إنزال القرآن وتنزيله على أشرف خلق الله (صلى الله عليه وآله) أولا، وعلى أمته الذين هم خير الأمم ثانيا، هو هداية الخلق وإرشادهم وتكميلهم بسياقتهم إلى الله ودار كرامته، على أتم وجه وأشرفه.

وذلك إنما يحصل بتزيين نفوسهم بأنوار الحكمة والمعرفة، وتجريدها عن رق الطبيعة، وأسر قواها الشهوية والغضبية والوهمية، التي هي مداخل الشيطان في باطن الإنسان، وتطهيرها عن أرجاس العنصريات وقاذوراتها، وتخليصها عن مكائد الشياطين وجنودها الداخلية والخارجية.

فالقرآن مشتمل من الحكمة والمعرفة على عظائمها وأصولها، التي عجزت عن دركها أفهام السابقين واللاحقين، ومن الشريعة والطريقة على لطائفها ولبابها، التي خلت عنها زبر المتقدمين والمتأخرين.

Unknown page