313

Tafsīr al-Rāghib al-Aṣfahānī

تفسير الراغب الأصفهاني

Editor

د. هند بنت محمد بن زاهد سردار

Publisher

كلية الدعوة وأصول الدين

Publisher Location

جامعة أم القرى

عليه شهوة خمر أو قمار، وأما بقهر قوة يناله بدفعها الهلاك كمن اشتد به الجوع، فاضطر إلى أكل الميتة أو تناول مال الغير، ولما بنى إبراهيم ﵇ البيت في فقر، ومن شرط المدن أن يتحرى في بنائها موضع يمكن أن يجري فيه نهر أو يشق فيه قناة، ويتخذ فيه مزرعة تفي بمطاعم قطانها، وعلم أن لا قوام لهم إلا بأن تجنى إليهم الثمرات، ولا يمكن جني الثمرات إليهم إلا بأمنه، سأل الله ﷿ أن يجعله بلدًا أمنًا بسياسة ألاهية وأن يرزق أهله بتسخير الناس لجبي الثمرات إليه ولما سأله لهم الرزق، وكان قد سمع في جواب سؤاله الإمامة لذريته ما سمع تدارك سؤاله فقيده وقال: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فقال تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ﴾ تنبيهًا أن رحمته في الدنيا وسعت كل شيء، وأن نعمه فيها متاحة للكل ليجعلوها ذريعة إلى إدراك ثوابه، ثم من كفر وضيع النعم فمسوق إلى عذابه.
إن قيل: إن قوله (فأمتعه) يقتضي كثرة ثبات الفعل وقوله (قليلا) ينافيه، فكيف جمع بينهما؟ قيل: ذلك على وجهين، فإن نعمته في الدنيا وإن كانت كثيرة بإضافة بعضها إلى بعض، فقليلة بإضافتها إلى نعمة الآخرة، وعلى هذا قال: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ﴾، كيف لا يقل ما يتناهى بالإضافة إلى مالا يتناهى؟ وانتصاب " قليل " إما لكونه وصفا لمصدر محذوف أو لكونه ظرفًا، وتكون في العبارة به عن الزمان، كقوله تعالى: ﴿عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾.

1 / 313