311

Tafsīr al-Rāghib al-Aṣfahānī

تفسير الراغب الأصفهاني

Editor

د. هند بنت محمد بن زاهد سردار

Publisher

كلية الدعوة وأصول الدين

Publisher Location

جامعة أم القرى

قوله ﷿:
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾
الآية (١٢٥) - سورة البقرة.
البيت: يسمى اعتبارا بالمبيت فيه، ومنه قيل: بيتهم وبات يموت بات ليلته في إنائه، ثم ترك اعتبار المبيت، وللوعي صورته، وبه شبه بين الشعر اعتبارًا بأنه مبني من أوتاد وأسباب بناء بيت الشعر والوبر من نحوها، وبيت الله: سمي لوجود صورة البيت فيه، والمثابة إما لثؤوب الناس إليه، وإما لاستحقاقهم الثواب بقصده.
إن قيل: كيف جعل مثابًا عامة قصاده لا يثوبون إليه قبل ذلك باعتبار جنس الناس لا بآحادهم، واعتبر بعض الناس ما سآلته، واستدل بالآية في وجوب العمرة، فقال: لا يكون مثابة لأحاد قصاده إلا على هذا الوجه، ومقام إبراهيم الحرم عن ابن عباس، والمزدلفة عن عطاء، والحجر عن السدى، والأولى أنه الحرم كله، فما من موضع ذكروه إلا وهو مصلى أي مدعى، أو بوضع صلاة، والطوف المشي حول الشيء، ومنه: الطائف يدور حول البيت حافظًا، وطائف من الجن والخيال، وجعل الطوافون عباده عز الحرم، والعكوف: الإقامة مع اللزوم بين تعالى أنه جعل البيت من حيث الحكم مثابة للناس وأمنًا ومصلى، ولم يعن أنهم ملجؤون إلى أن لا يخيفوا أحدًا، كما لم يعن أنهم ملجؤون إلى أن يجعلوه مصلى ومثابة.
إن قيل: فقد قال: ﴿فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾، قيل: هو أيضًا على معنى الأول، ولو عنى ما قلت لقال: (وإن من دخله كان آمنا) قيل: هو أيضًا علي معنى الأول، ولو عنى ما قلت لقال: وإن من دخله حتى كان يتعلق بالأول، وعلى ذلك حكم قوله: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ على أن حكم الله في ذلك مما فيه أية منه لأنه حض الناس على

1 / 311