66

Tafsir

تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني

[62]

قوله عز وجل : { إن الذين آمنوا } ؛ أي إن الذين آمنوا بموسى والتوراة ثم لم يتهودوا ؛ والذين آمنوا بعيسى ولم يقسموا بالنصرانية ، { والذين هادوا والنصارى والصابئين } ، أي والذين تهودوا وتنصروا وتصابأوا ، { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.

اختلف العلماء في تسمية الذين هادوا بهذا الاسم : فقالوا : بعضهم سموا بذلك لأنهم هادوا ؛ أي تابوا من عبادة العجل ، قوله تعالى : إخبارا عنهم : { إنا هدنآ إليك }[الأعراف : 156] أي تبنا. وقال بعضهم : لأنهم هادوا ؛ أي مالوا عن الإسلام وعن دين موسى عليه السلام ؛ يقال : هاد يهود هودا ؛ إذا مال.

واختلفوا أيضا في تسمية النصارى بذلك ؛ قال مقاتل : (لأن أصلهم من قرية يقال لها ناصرة ؛ كان ينزلها عيسى وأمه ؛ فنسبوا إليها). وقال الزهري : (سموا بذلك لأن الحواريين قالوا : نحن أنصار الله).

(والصابيين) قرأ أهل المدينة بترك الهمزة. وقرأ الباقون بالهمزة وهو الأصل. يقال : صبا يصبوا صبوا ، إذا مال وخرج من دين إلى دين.

واختلفوا في الصابئين من هم ؟ فقال عمر : هم طائفة من أهل الكتاب ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب ؛ وبه قال السدي. وقال ابن عباس : (لا دين لهم ؛ ولا تحل ذبائحهم ؛ ولا مناكحة نسائهم). وقال : مجاهد : (قبيلة نحو الشام بين اليهود والمجوس لا دين لهم ؛ وكان لا يراهم من أهل الكتاب). وقال مقاتل وقتادة : (هم يقرون بالله ؛ ويعبدون الملائكة ؛ ويقرأون الزبور ؛ ويصلون إلى الكعبة ، أخذوا من كل دين شيئا). وقال الكلبي : (هم قوم بين اليهود والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويحنون مذاكيرهم). وقال عبدالعزيز بن يحيى : (قد انقرضوا فلا عين ولا أثر).

قوله تعالى : { إن الذين آمنوا } أي على التحقيق وعقد التصديق ؛ وهم الذين آمنوا بعيسى ثم لم يتهودوا ولم يتنصروا ولم يتصابأوا ؛ وانتظروا خروج محمد صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه. وقيل : هم طلاب الدين ؛ منهم حبيب النجار ؛ وقس بن ساعدة ؛ وورقة بن نوفل ؛ وزيد بن عمرو بن نفيل ؛ وأبو ذر الغفاري ؛ وسلمان الفارسي ؛ وبحيرا الراهب ، آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، فمنهم من أدركه وتابعه ومنهم من لم يدركه. وقيل : هم مؤمنو الأمم الماضية. وقيل : هم المؤمنون من هذه الأمة.

قوله : { والذين هادوا } أي الذين كانوا على دين موسى ولم يبدلوا ولم يغيروا. { والنصارى } الذين كانوا على دين عيسى ولم يبدلوا وماتوا على ذلك ، { والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر } من مات منهم وهو مؤمن.

وقوله تعالى : { وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم } ، إنما ذكره بلفظ الجمع ؛ لأن لفظة (من) تصلح للواحد ؛ والاثنين ؛ والجمع ؛ والمذكر ؛ والمؤنث ، قال الله تعالى : { ومنهم من يستمع إليك }[محمد : 16]{ ومن يقنت منكن }[الأحزاب : 31]. قال الفرزدق في التثنية : تعال فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبانفإن قيل : ما معنى إعطاء أجر المؤمن وهو عامل لنفسه ؟ قيل : لما حمل على نفسه المشقة وحرمها شهواتها ؛ فآجره في الآخرة عوضا عما فاته من اللذات في الدنيا.

وقوله تعالى : { ولا خوف عليهم } ؛ فيما تعاطوا من الحرام ، { ولا هم يحزنون } ، على ما اقترفوا من الآثام ، لما سبق لهم في الإسلام. وقيل : { ولا خوف عليهم } في الكبائر فأنا أغفرها ، { ولا هم يحزنون } على الصغائر فإني أكفرها.

Page 66