Tafsir
تفسير القرآن العظيم المنسوب للإمام الطبراني
[214]
قوله عز وجل : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضرآء } ؛ أي أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة ولم تصبكم صفة الذين محنوا من قبلكم ؛ أي ولم تبتلوا كما ابتلي الذين من قبلكم ، { مستهم البأسآء } أي الشدة وهي القتل ، { والضرآء } والبلاء والفقر والمرض. وقيل : البأساء : نقيض النعماء ، والضراء : نقيض السراء.
قوله تعالى : { وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } ؛ أي حركوا وخوفوا { حتى يقول الرسول والذين آمنوا } أي جاهدوا حتى قال كل رسول بعث إلى أمته : متى فتح الله ؟ يقول الله تعالى : { ألا إن نصر الله قريب } ؛ يعني ألا إن نصر الله لك ولأمتك يا محمد قريب عاجل كما نصرت الرسل قبلك ، والمثل قد يذكر بمعنى الصفة كما قال الله تعالى : { مثل الجنة }[الرعد : 35] أي صفة الجنة ، ذهب السدي إلى أن هذه الآية نزلت بالمدينة يوم الخندق حين اشتدت مخافة المؤمنين من العدو.
ووجه إيصال هذه الآية بما قبلها : أن الله تعالى قال فيما تقدم : { ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كآفة }[البقرة : 208] ثم قال : { فهدى الله الذين آمنوا }[البقرة : 213]. وكان المسلمون اتكلوا على مجرد اهتدائهم ، فبين الله في هذه الآية أنه لا يجوز الاتكال على مجرد الإيمان من غير مكابدة ما قاساه السلف من المؤمنين كما قال تعالى : { أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون }[العنكبوت : 2].
وأما القراءة في قوله تعالى : { حتى يقول الرسول } من نصب فعلى الأصل ؛ لأن { حتى } تنصب الفعل. ومن قرأ بالرفع أدخل (حتى) على جملة ما بعده لا على الفعل خاصة ؛ كأنه قال : حتى الرسول يقول ، فلا يظهر عمل (حتى). قال الشاعر : فيا عجبا حتى كليب تسبني كان أباها نهشل أو مجاشع
Page 197