230

Surūr al-nafs bi-madārik al-ḥawāss al-khams

سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

Editor

إحسان عباس

Publisher

المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بناية برج الكارلتون - ساقية الجنزير ت: 312156 - 319586 - برقيا موكيالي - بيروت ص. ب: 11/ 5460 بيروت-لبنان

Edition

1، 1980

وقال أبو محمد ابن المقتدر: وفيه يكال الأرز، وهو أحد الأقوات المحتاج إليها، ولا يقوم مقامه شيء لأنه أولى أغذية بني آدم صغارا وكبارا، وقد يستغنى به عن الحنطة ولا يستغنى بها عنه، لأنه يغذو المراضيع في الأوقات لتي لا يصلح لهم أكل الخبز فيها، وبغلته وعظمها وكثرة ريعها يضرب المثل.

وفي الخريف يبلغ قصب السكر الذي هو قوام أبدان الناس، وحاجتهم إليه ماسة، ولا يعتاضون بغيره، فهو أطعمة الأصحاء وحلواهم، وفيه شفاء المرض وأقواتهم، لأنه أصل سائر الأشربة والمعاجين الحارة والباردة والمزورات والأغذية، وهو قوام الناس في صحتهم وغناؤهم في أمراضهم؛ وفيه تخرج الجوارح من قرنصتها ويستحب الصيد وتكثر محاليف الدراج، ويمكن الصيادين (1) من جهات كثيرة: أحدها أن الغلات تكون قصارا لم تطل فتمنع وتستر ما يستتر بها من الطير والوحش، وأخرى أن الجوارح لا تعمل في الحر إلا ساعة في برد الهواء، وقد تعمل في الخريف والشتاء طول نهارها، والكلاب فلا تعمل في الحر بوجه ولا سبب ولا تطعم نهارا، والملوك والمترفون الذين يخرجون إلى الصيد بالجوارح لا يعرضون بنفوسهم لحر الهواجر، ولا يخاطرون بمهجتهم من أجل الصيد، ولا ينشطون له إلا في البرد وطيب الهواء والزمان.

وفي الخريف يقدم طير الشتاء من الجبال والبلاد الباردة، مثل الكراكي والإوز واللغالغ مما يتصيد بالجوارح وسائر آلات القنص والرمي بالبندق وغيره.

وفيه تقطع أنابيب الأقلام وتجلب من كل مكان، وهو أوان إدراكها وصلابتها واستقامتها، ولولا الأقلام وقفت أمور الناس ولم تنم لهم شهادة ولا قضية ولا بيع ولا شراء، ولا تضبط العلوم وتقيد الأخبار إلا بها.

وفي الخريف يكون الدر الذي جعله الله زينة للعباد، وحبب للناس وتجمل بلبسه سائر الأمم. وفضل على سائر الأحجار النفيسة من الذهب وغيره، مع ما فيه من المنافع والبرء من الأمراض الصعبة وإدخاله في الأكحال، وهو أنفس ذخيرة وأخفها محملا. وقد يمكن الانسان أن يحمل معه من الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف درهم لا تعييه ولا تؤذيه. ولا يمكنه حمل ألف درهم إلا بمشقة ولا يستتر ولا يخفى، ولذلك أدخره الملوك وجعلوه عدة للشدائد.

والخريف أصح السنة زمانا وأسلمها أوانا، والشمس فيه بالميزان، وهو أحد الاعدلين المتوسطين حين أطلعت السماء حوافل انوائها، وتأذنت بانسكاب مائها،

Page 231