مد البحر تراجع الماء فى كل نهر حتى يدخل نخيلهم وحيطانهم وجميع أنهارهم من غير تكلف وإذا جزر الماء عنها وانحط خلت منه البساتين والنخيل وبقيت أكثر الأنهار خالية فارغة، ويغلب على مياههم الملوحة وأكثر ما يستسقون الماء لشربهم إذا جزر الماء من آخر حد نهر معقل لأنه يعذب هناك فلا يضره ماء البحر وعلى نهر معقل أيضا أبنية شريفة ومساكن حسنة عالية وقصور مشيدة وبساتين وضياع واسعة غزيرة كبيرة عظيمة، وكان على ركن الأبلة فى دجلة بين يدى نهرها خور عظيم الخطر جسيم الضرر دائم الغرر وكانت أكثر [70 ظ] السفن تسلم من سائر الأماكن فى البحر حتى ترده فيبتلعها وتغرق فيه بعد أن تدور على وجه الماء أياما وكان يعرف بكرداب الأبلة وخورها فاحتالت له بعض نساء بنى العباس (11) بمراكب اشترتها فأكثرت منها وأوسقتها بالحجارة العظام وبلعتها ذلك المكان فابتلعها وقد توافت على مقدار فانسد المكان وزال الضرر فى وقتنا هذا عما كان عليه، وأكثر أبنيتها بالآجر وهى مدينة عظيمة جليلة خصبة بما حوته عامرة وافرة الأهل حسنة النظم [حتى أن (14) من طرف نهر معقل إذا سار الإنسان على خط مستقيم الى ناحية القبلة يكون بين السور (15) وبين طرف النهر نحو فرسخ أو أكثر، قال كاتب هذه الأحرف دخلتها سنة سبع وثلثين وخمس مائة وقد خربت ولم يبق من آثارها إلا الأقل وطمست محالها فلم يبق بها إلا محال معلومة كالنحاسين وقساميل وهذيل والمربد وقبر طلحة وقد بقى فى محلة بيوت معدودة وباقى بيوتها إما خراب وإما غير مسكونة وجامعها باق فى وسط الخراب كأنه سفينة فى وسط بحر لجى وسورها القديم قد خرب وبينه وبين ما قد بقى من العمارة مسافة بعيدة وكان القاضى عبد السلام الجيلى (رحمه الله) قد سور على ما بقى سورا بينه وبين السور القديم دون النصف فرسخ فى سنة ست عشرة (22) وخمس مائة وسبب خرابها ظلم الولاة والجور وأيضا فى كل سنة مرة أو مرتين تشن عليهم البادية الغارات وأكثرهم خفاجة وابتدأ خرابها منذ خرج بها البرقعى وادعى أنه علوى وتحصن بنهر الخصيب ومحاصرة أحمد الموفق
Page 237