al-Suluk fi tabaqat al-ʿulamaʾ wa-l-muluk
السلوك في طبقات العلماء والملوك
Investigator
محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي
Edition Number
الثانية
وقياض وَمَا بلد من هَذِه الْبِلَاد إِلَّا وَله فِيهَا أَصْحَاب عرفُوا بِالْأَخْذِ عَنهُ
وَمن الْجند أَبُو بكر بن مُحَمَّد اليافعي وَغَيره وَمن ناحيتها عبد الله بن أَحْمد الزبراني وَيحيى بن أبي الْخَيْر من سير وَمُسلم بن أبي بكر من سهفنة وَعبد الله بن عُمَيْر العريقي وَيحيى بن مُحَمَّد من الملحمة صَاحب القصيدة الْمَذْكُورَة أَولا وَأَبُو حَامِد بن أبي بكر الأصبحي من الذنبتين وَلما صَار الْفَقِيه بالجند بَالغ فِي لُزُوم طَرِيق الخمول بِحَيْثُ كَانَ يدرس فِي بَيته فِي الْغَالِب ثمَّ مَتى صلى فِي الْجَامِع صلى بمؤخره وَكَانَ متورعا متنزها عَن صُحْبَة الْمُلُوك وخلطة الظلمَة وَقبُول جوائزهم بِحَيْثُ أجمع أهل زَمَانه على نزاهة عرضه وجودة علمه وَشدَّة ورعه أجمع على فَضله المؤالف والمخالف وَشهد لَهُ بِالْفَضْلِ كل عَارِف وَكَانَ مَعَ ذَلِك ذَا عبَادَة مِنْهَا أَنه كَانَ يخرج فِي كل لَيْلَة من منزله بعد هدوء اللَّيْل واشتغال النَّاس بحلاوة النّوم فَذكرُوا أَن بعض من بَات بِالْمَسْجِدِ رأى الْفَقِيه قد دخل الْمَسْجِد وَجعله بِبَالِهِ فَجعل يُصَلِّي مَا شَاءَ الله فِي الْمِحْرَاب ثمَّ خرج من الْمَسْجِد وَتَبعهُ الرجل فَلَمَّا صَار على الْبَاب أَعنِي بَاب الْمَدِينَة انْفَتح لَهُ فَخرج الْفَقِيه وَتَبعهُ الرجل مسرعا فَسَار الْفَقِيه حَتَّى صَار مَوضِع قَبره فَأحْرم وَجعل يتركع حَتَّى صعد الْمُؤَذّن المأذنة فأخف صلَاته وَعَاد الْمَدِينَة كَمَا خرج وَانْفَتح لَهُ بَابهَا ثمَّ بَاب الْمَسْجِد فَلَمَّا صلى الصُّبْح وَقعد يذكر الله وَالرجل فِي كل ذَلِك يراقبه من حَيْثُ لَا يشْعر ثمَّ دنا مِنْهُ وَقبل يَده وَأخْبرهُ بِمَا رَآهُ من الْأَمر فَقَالَ إِن أَحْبَبْت الصُّحْبَة فَلَا تخبر أحدا مَا دمنا فِي الْحَيَاة فَلم يخبر بذلك إِلَّا بعد وَفَاة الإِمَام ﵀ وَكَانَ يخبر بِزِيَادَة غير مَا ذكرنَا لَكِن اقتصرنا على مَا تكَرر نَقله وَشهر خَبره
قَالَ ابْن سَمُرَة أَخْبرنِي الشَّيْخ مَنْصُور بن أَحْمد أَبُو تُرَاب العودري أَنه دخل مَدِينَة الْجند يُرِيد يسْأَل الْفَقِيه زيد بن عبد الله عَن مَسْأَلَة فَرضِيَّة قَالَ فَوجدت الْفَقِيه يقرىء أَصْحَابه بدهليز بَيته وَكَانَ صَغِير الْخلق فَلَمَّا رَأَيْته هِبته هَيْبَة عَظِيمَة واستكبرت مقَامه فغلطت فِي سُؤَالِي وتلجلجت فِي كَلَامي فآنسني الْفَقِيه بِكَلَامِهِ ورد عَليّ اللَّفْظ حَتَّى أنست وأقمت سُؤَالِي فحين عرفه جوب لي أبين جَوَاب ثمَّ لم يزل الْفَقِيه على الْحَال المرضي دينا وورعا حَتَّى توفّي بِأحد الربيعين الكائنين فِي سنة أَربع عشرَة وَقيل خمس عشرَة وَخَمْسمِائة فقبر بالمقبرة الغربية من مَدِينَة الْجند وتربته هُنَالك مَشْهُورَة لم أر فِي الْيمن تربة مثلهَا يَتَجَدَّد مَعْرفَتهَا وَيكثر زائرها
وَلَقَد يجد الزائر فِي نَفسه كَأَن
1 / 267