al-Suluk fi tabaqat al-ʿulamaʾ wa-l-muluk
السلوك في طبقات العلماء والملوك
Investigator
محمد بن علي بن الحسين الأكوع الحوالي
Edition Number
الثانية
.. إِن فضلي على الزجاجة أَنِّي ... لَا أذيع الْأَسْرَار وَهِي تذيع
ذهب سَائل حواه لجين ... جامد إِن ذَا لشَيْء بديع ... قَالَ الْفَقِيه عمَارَة حَدثنِي الْفَقِيه أَبُو السُّعُود بن عَليّ الْحَنَفِيّ قَالَ حَدثنِي ابْن أبي الصَّباح أَنه لما دخل الْعرَاق وَحضر مجْلِس الْوَزير يَوْمئِذٍ وَعِنْده جمَاعَة يتذاكرون الشّعْر فَقَالَ لي هَل تحفظ شَيْئا لأحد من أهل الْيمن فَأَنْشَدته قَول ابْن القم من قصيدته ... اللَّيْل يعلم أَنِّي لست أرقده ... فَلَا يغرنك من قلبِي تجلده
فَإِن دمعي كصوب المزن أنشره ... وَإِن وجدي كحر النَّار أبرده
لي فِي هوادجكم قلب أضن بِهِ ... فسلموه وَإِلَّا قُمْت أنْشدهُ
وَبَان للنَّاس مَا قد كنت أكتمه ... من الْهوى وبدا مَا كنت أجحده ... وَكَانَ الْوَزير مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا واستعادها مرَارًا ثمَّ بَعَثَنِي فِي الْمَوْسِم إِلَى مَكَّة فاشتريت لَهُ الدِّيوَان فَلَمَّا جِئْته بِهِ كَانَ من أقوى الذرائع إِلَى صحبته والانقطاع إِلَى جملَته ومناقب ابْن القم فِي الْفضل والأنفة على أَهله فِي النّسَب والصنعة كَثِيرَة وَكفى شَاهدا على ذَلِك مَا خَاطب بِهِ جياش حِين قتل القَاضِي الْحسن وَقد تقدم أَنه قَامَ برئاسة الْبَيْت بعد الْحسن ابْن عَمه القَاضِي الْأَجَل أَبُو الْفتُوح وَهُوَ ابْن أخي الْحسن وَله الذُّرِّيَّة الْكَثِيرَة الَّتِي تُوجد بقيتها بزبيد
قَالَ عمَارَة كَانَ أَبُو الْفتُوح أوحد عصره وَإِمَام مصره قَامَ بِالْعلمِ قيَاما كليا وصنف فِيهِ كتبا جليلة فِي الْفِقْه خَاصَّة وَمذهب الشَّافِعِي لم يتفقه أحد من أهل زبيد وَمن حولهَا فِي مَذْهَب الشَّافِعِي بعد وجودهَا إِلَّا مِنْهَا وَمِنْهَا كتاب التَّحْقِيق عَنهُ نقل صَاحب الْبَيَان عدَّة مسَائِل وَكفى لَهُ شَاهدا بِجَوَاز الْأَخْذ عَنهُ نقل صَاحب الْبَيَان إِلَى مُصَنفه الَّذِي انْتفع بِهِ كل إِنْسَان وَله مُخْتَصر فِي أَحْكَام الْجِنَايَات وَكَانَ تفقهه بِالْإِمَامِ أبي الْغَنَائِم عَن الشَّيْخ أبي حَامِد الْمُقدم الذّكر
قَالَ عمَارَة وَكَانَ أَبُو الْفتُوح لَا تَأْخُذهُ فِي الله لومة لائم عَظِيم الْغَضَب فِيهِ مر بداره ابْن بجارة أحد فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة الْآتِي ذكره وَقد انتشى من الشَّرَاب وَكَانَ رجلا مَاجِنًا يحذو طَرِيق أبي نواس فِي الخلاعة وَالشعر فَجعل يُغني بِصَوْت عَال وَذَلِكَ فِي ليل فصاح بِهِ القَاضِي إِلَى هَذَا الْحَد يَا حمَار وَلم يكن ثمَّ عون على الْبَاب وارتجل ابْن بجارة
1 / 260