قال الراوي: ولما استقرت محطة السلطان بالرحام يريد بذلك رفع المحاط من حصون المغرب والمادة لعمارة جهز الإمام عليه السلام عسكرا كثيفا من عيون الشرفاء والعلماء والشيعة وغيرهم إلى جهة الباقر وقدم فيهم الفقيه الشهيد المجاهد التقي تقي الدين أحمد بن موسى الصعدي فتقدم فيمن معه يوم السبت آخر جمادى الأولى سنة ست وأربعين وستمائة من ثلاء فأمسى العسكر تلك الليلة في جبل المصانع والليلة الثانية في مخلاف الطويلة ووصل الجهات في اليوم الثالث وهو يوم الإثنين، فتسامع به أهل تلك النواحي فلقيه جميع القبائل من بني الخياط وبني الدولابي وبني عواض وغيرهم في جمع كثير إلى موضع يقال له ضبعان تحت الطلع وكانت فيه عراضة حسنة وكان من اجتمع من العسكر قريبا من ألفي رجل، فلما اجتمع الناس تحدث معهم الفقيه تقي الدين أحمد بن موسى ومن معه من العلماء في الطاعة لأمير المؤمنين والجهاد بين يديه والحفظ لجهاتهم من هذا العدو الذي قد أقبل، فأجابوا بالسمع والطاعة والامتثال لأمير المؤمنين، فحط الفقيه المذكور بمن معه من العسكر في بلد بني الدولابي في هجرة سافوف وأوقدت النار تلك الليلة في المحطة، ثم أوقد جميع أهل تلك الجهات النيران في جميع المواضع والحصون والقرى حتى أن الذي يراها يظنها مدينة واحدة لتقارب نيرانها، وأقام الفقيه فيمن معه في هذه الناحية مدة إقامة السلطان في الضلع يلزمون المراصد ويكمنون في الطرقات لمن ينزل إلى جهة عمارة حتى لقد تعذر مرور البرداء في الليل لحفظ الطرقات، وقد كان الإمام عليه السلام أمر قبل ذلك الشيخ الأجل الفهد بن محمد في جماعة إلى بلاد بني الحجري فرتبوا في حصن يقال له قلعة المفر على وادي لاعة يقطعون المواد على عمارة من جبل تيس وتلك النواحي، فلما نهض السلطان من الرحام إلى حرشان واشتد الحصر على عمارة تحيل بحيلة وأظهر الرغبة في خطاب الإمام وفي الباطن يريد الاتصال بسلطانه فأمنه أمير المؤمنين ليصل إليه، فلما وصل وأسر إلى السلطان أن الحصون على طرف ضياع فليعطها ولدي الأمير الكبير عماد الدين يحيى بن حمزة بن سليمان ليوقع بينهم المسرة بين الإمام فجرى بينهم الخطاب على خفية وأمر دقيق، فلما بتو المكر وأتقنوا الحيلة أظهر الأميران ولدا عماد الدين أحمد وعبدالله بن يحيى بن حمزة بن سليمان الوصول إلى الإمام إلى ثلاء وهما يسيران حوافي أرتعا وأظهرا ذلك، فاستر الإمام بوصولهما فوصلا في عسكر عظيم وجعل للإمام عليه السلام ممن وصل معهما من النذور والأموال ما لا ينحصر، فلما استقرا عند الإمام بايعا ودخلا في الإمامة وطلبا من الإمام الملقى للسلطان لعلة اعتلا بها فساعدهم الإمام حياء منهما، فلما التقيا بالسلطان أثبتوا الأمر على تسليم الموقر إليهما وكتبت الكتب بذلك واجتمعا بالحرب مع السلطان وأظهروا أذية عمارة وكان عند الإمام، وأظهر عمارة للإمام النصيحة فغدر والقوم ويصنع في المكر كما هو أهله، ولم يزل بالإمام حتى أذن له في الصدور إلى عزان فأمنه وأذن له، ثم إن الأميرين الكبيرين شمس الدين وفخر الدين ابني يحيى بن حمزة أظهرا للإمام ظاهرا أن السلطان قد عرض عليهما شيئا وهما لا يريدان إلا رضا أمير المؤمنين وحلفا له يمينا أخرى وأعطاهم الإمام نصفة المخلافة دون حصن الموقر وأعطاهم بعض حصون لاعة واحتلموا بقوة المحطة وشدة الحصر لما قد لحق الناس من المل، فكتب الإمام عليه السلام إلى السيد شرف الدين يحيى بن القاسم أن الأمير عماد الدين قد أمر بحشد العساكر إليك وفي خلال ذلك وصلت كتب الإمام عليه السلام من ثلاء بدخول الأمير الكبير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله في الإمامة وأنه وعد من نفسه بنصر الدين وشد عضد الإسلام والمسلمين، فأمر الإمام بالبشارات في الأقطار لعظم شأنه وخطره ولم يلبث أن نهض الأمير قاسم بن إبراهيم بن يحيى الحمزي في عسكر كثيف إلى محطة الموقر فلقيه السيد يحيى بن القاسم بالمرحب والتسهيل امتثالا لأمر الإمام، ولم يلبث أن حط وفرق عسكر في المراكز المحيطة بالحصن وهم ...... الموقر ثلاث أو أربع، ثم أظهر ما كان مكنونا مما قد انطوى عليه أمرهم، فلما علم أهل البلاد بهذه الفضيحة والغدر في الإمام أنفوا من ذلك ووقعوا بالقوم وقعة عظيمه فتحيز قاسم بن إبراهيم ومن معه إلى حصن الموقر ويسلموه، وكان الأمير شرف الدين يحيى بن القاسم في حوطة القوم فلم يمكنه عند الوقعة أن يستخلص نفسه فطلع مع القوم وأظهر أنه فتك به وبهم.
فلما كان اليوم الثاني هموا بلزمه فلم يوفقهم الله تعالى ونزل إلى المحطة سالما وحينئذ أمر الناس بالمحطة والصبر وكان العسكر الذي دخل بهم قاسم بن إبراهيم الحصن قريبا من ألف مقاتل وهذا من العجائب، ولعل الذي حصرهم مثل نصفهم أو دون، واشتد الحصر على قاسم بن إبراهيم ومن معه حتى كادوا أن يأكلو الشجر من شدة الجوع، فأقام الحصر نيفا وعشرين يوما، وجمع الأميران ابنا يحيى بن حمزة العساكر من بلادهم، ونزل أهل الحصن إلى نهج بحرة في لقائهم ليكفوا المحطة فلم يربحوا وعادوا خاسرين، فقتل من عسكر الأميرين ابني يحيى حمزة جماعة وكسروا كسيرة عظيمة، وسلب من سلاحهم شيء كثير.
ووصل الأمير الكبير بدر الدين محمد بن الحسين بن ناصر بن سليمان من عند الإمام عليه السلام إلى عمه يحيى بن حمزة مخاطبا بينهم وبين الإمام فقال لهم: أما دخلتم فيما يحب الإمام، فأما أنا مستمر على نصرته، فاتفق الأمر بينهم على تسليم الحصن الموقر إلى يد الشيخ الأجل عمرو بن علي الوهيبي والمشايخ بني شاور أهل السود؛ إذ هم أهل الطيب والنقا فيبقى الحصن بأيديهم عدالة إلى أن ينهض السلطان من صنعاء ويكون الحكم للإمام بعد ذلك، فشاروا الإمام على ذلك فلم يرد الإمام عليه السلام إلا مساعدتهم إلى ذلك ليشتغل بحرب العدو، فانصرم الحال على ذلك.
Page 131