Sinima Wa Falsafa
السينما والفلسفة: ماذا تقدم إحداهما للأخرى
Genres
1
ألا تنبع من هذا رغبة الجمهور في «نهاية سعيدة» (سحر الأفلام)؟ كذلك تطرح بعض الآراء قدرة السينما أحيانا على الاستثارة العابرة لرغبات نرجسية وسادية ومازوخية، ومعادية للمرأة، وذات طبيعة متلصصة شبقية، وغيرها من الرغبات المنحرفة (رغم أنها ليست إشكالية بالضرورة ولا حتى غير أخلاقية) لدى المشاهدين، وإشباعها.
لقد رأينا في الفصل الأول أن الإجابة عن التساؤل حول ما إذا كان في وسع السينما ممارسة الفلسفة لا تتعلق بالضرورة بسمات تنفرد بها السينما، بل ربما من الأفضل الإجابة عن هذا التساؤل من منظور السمات التي تعد من مقومات السينما لكنها توجد كذلك في أشكال فنية أخرى. بالمثل يمكن تفسير قوة السينما من منظور مجموعة متنوعة من السمات السينمائية (مثل السرد، الموسيقى، التمثيل)، بدلا من تفسيرها بالاستعانة ببعض العناصر الجوهرية غير القابلة للاختزال، أو مجموعة من السمات الأساسية، التي تنفرد بها السينما. رغم ذلك يسعى جزء كبير من النقاش حول قوة السينما إلى تفسير قوتها من منظور عنصر ما تنفرد به السينما. فربما تتمتع السينما بهذه الجاذبية الآسرة لأنها واقعية على نحو لا نجده في الأشكال الفنية الأخرى. إن اللوحة الفنية هي عمل مصطنع مهما كانت واقعية المشهد الذي تجسده؛ لأنها ساكنة، فهي تجسد لحظة زمنية جامدة، بينما نحن لا نخوض غمار الحياة كسلسلة من اللحظات الجامدة. ليس في وسع اللوحة الفنية تجنب هذا النوع من الاصطناع. لكن الأفلام تصور العالم بأسلوب يبدو أكثر واقعية على مستوى جذري. يمكن تتبع الفكرة الزاعمة بأن تفرد السينما وقوتها يكمنان بطريقة ما في واقعيتها وصولا إلى المنظر السينمائي أندريه بازان. ويعد نويل كارول واحدا من أهم نقاد هذه الرؤية.
يرفض كارول تفسير قوة السينما حسب رؤية بازان التي تزعم أن «الصورة السينمائية هي تجسيد موضوعي للماضي، قطعة معبرة وصادقة من الواقع.» يقول كارول (2004أ: 485):
ينكر منظرو السينما المعاصرون وجود أي معنى حرفي يمكن استخلاصه من الفكرة القائلة بأن السينما مرآة طبيعية للواقع. ومع ذلك يتمسكون دون شك بجزء من المنهج الواقعي، يتمثل تحديدا في الافتراضات النفسية المسبقة لذلك المنهج ... ففي حين يرفضون فكرة أن السينما جزء من الواقع، يوافقون رغم ذلك على أن السينما، حسب استخداماتها المعتادة، تنقل تأثيرا واقعيا إلى مشاهديها. هذا التأثير النفسي يمكن وصفه بعدة صيغ متنوعة، من بينها الآراء التي تزعم أن السينما تعطي انطباعا بأن الواقع يروي ذاته أو توهم المتلقي بأنها تعرض صورة للواقع، أو أنها تبدو طبيعية.
ثم يستطرد كارول زاعما أن (2004أ: 485):
تلك التنويعات على فكرة التأثير الواقعي عرضة للتشكك لأنها تنسب إلى المشاهدين حالات من التصديق تعطل طرقنا المميزة للاستجابة إلى السينما وتقديرها. فإذا كنا نحن المشاهدين سنخلط في أي وقت بين التجسيدات التي تعرض أمامنا وبين ما تمثله تلك الصور في الواقع، فلن نتمكن عندئذ من الجلوس في راحة وخمول واستمتاع بينما تندفع قطعان الجاموس تجاهنا، وبينما يبوح الأحبة بأشواقهم، وبينما يعذب الأطفال.
هل يوجد بين الذين يعتقدون أن «السينما تنقل تأثيرا واقعيا إلى مشاهديها» من يعتنق أيا من الآراء التي ينسبها كارول إليهم؟ هل المنهج الواقعي في نظرية السينما، كفرضية وجودية (أنطولوجية) أو في تنويعاته الأكثر حداثة ذات الطابع النفسي، هو طريق مسدود كما يزعم كارول؟
هل يمكن إنقاذ التنويعات النفسية على فرضية بازان من هذا المصير؟ هل في وسع المرء فعليا الاحتفاظ ب «التأثير الواقعي» لقطيع الجاموس الهارب الذي يشاهده دون أن يلقي علبة الفشار من يده، ويندفع هاربا نحو باب الخروج من دار العرض؟
يطرح كارول (2004أ: 486) نقدا ثانيا للفرضية الواقعية أو للتنويع النفسي عليها:
Unknown page