Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
16
كان رب الأسرة عالة على أسرته في كهولته، كما كان عالة على أسرته في طفولته وصباه، وكان الرجل الذي يحارب التطفل الاجتماعي طفيليا في كل مجتمع أصيل أو دخيل نزل فيه.
ومما يذكر على الخصوص في سيرة رب الأسرة الذي يحارب الملكية، ويحسبها سرقة أخبث من سرقة اللصوص وقطاع الطريق، أنه رد خطيب بنته «لورا» ريثما يتحقق من صحة ميراثه، ومن كفاية هذا الميراث للتعويل عليه في طلباته، وكان هذا الخلاسي «لافارج» ابن مالك من ملاك الإقطاع في أمريكا الجنوبية، تعلم في جامعة باريس وأرسلته الجامعة إلى لندن في بعثة خاصة، فتعرف إلى «ماركس» وفتاته هناك.
17
وإذا كان الجو العاطفي في الأسرة دليلا على حظ أبيها من العطف والحنان وشعور الإخلاص بينه وبين خاصته وذويه، فقد كان «كارل ماركس» أعجز الناس عن إلهام صغاره سجية من سجايا العطف والمودة تجعل للحياة معنى غير معنى المنفعة العاجلة، والأثرة المتحكمة، وسوء الظن بكل نبيل جليل من العواطف الإنسانية، فماتت ابنته «لورا» هذه وأختها «ألينورا» منتحرتين بعد حياة مضللة على غير هدى. ولم تنتحرا من البؤس في دار أبيهما. بل أقدمتا على بخع نفسيهما بيديهما بعد مفارقة الدار، هذه مع زوجها الخلاسي وتلك مع عشيقها «أفلنج»، الذي ظهر لها بعد معاشرته أنه هجر زوجته وأخفى عنها زواجه قبل معاشرتها. وكانت «ألينورا» هذه مخطوبة للكاتب العالمي المعروف «برناردشو» فرفضته، وتعلقت بذلك الأفاق قانعة معه بعلاقة الخليلة والخليل، مؤثرة لها على علاقة الزوجة والزوج مع رجل مستقيم الخلق والسمعة.
ولقد كان انتحار أختها «لورا» لسبب أعجب من الخيبة في هواها، فاتفقت هي وزوجها على الانتحار معا فرارا من الشيخوخة التي تحرمهما متعة الشباب، وقضت الفتاتان على حياتهما في السن التي تلوذ فيها النفس الإنسانية بالعاطفة العامرة التي تجعل للحياة معنى فوق معنى اللذة ونزواتها، وتتغلب به على متاع الأنانية والأثرة العاجلة، بحثتا عن هذا المعنى إبان الحاجة إليه فلم تجداه؛ لأنهما لم تفهماه ولم تحساه في البيت الذي نشأتا فيه، ووجدتا في موضعه نظرة يائسة إلى الناس وإلى الدنيا ضللتهما في كل اختيار يرجع فيه المرء إلى هداية العاطفة الصادقة والضمير السليم.
لا جرم كان في مصطلح الأسرة كلما فارقت بنت من بناتها دار أبيها أنها نجت من محنة الجوع والضيق.
ثم تحسنت حالة «إنجلز» شريك «ماركس» في الدعوة الشيوعية؛ لأنه استقل بعمله، وتمكن من توظيف مبلغ من المال في السنة لمعيشة زميله لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين جنيها بعد سداد ديونه وتنظيم داره، وتسوية الخلاف بينه وبين المتعاقدين معه على الأعمال المهملة والمشروعات المعطلة، وصدق فيه قول أبويه: إنه سيعيش عالة على الناس ما عاش. •••
وربما خطر على البال أن الرجل كان يهمل الأعمال التي يكسب منها ضرورات معيشته؛ لأنه يعكف على العمل في نشر دعوته وتدوين فلسفته وأداء رسالته، ويشغله هذا العمل عما عداه من تكاليف السخرة المفروضة عليه في غير ما يرتضيه!
ولكن الواقع أن العمل الذي كان يهمله إنما هو عمل الدعوة في صميمها، وأوله كتاب «رأس المال» إنجيل المادية التاريخية كما يسميه الشيوعيون، وقد مات «ماركس» وهذا الإنجيل ناقص في أهم نظرياته وألزمها لإثبات المذهب «العلمي»، وترجيحه على مذاهب الاشتراكيين الرعاع والاشتراكيين المتعلقين بالأحلام، مات «ماركس» ولما يستوف «إنجيله» بحثه الموعود في نظرية الثمن والعمل ونظرية صراع الطبقات.
Unknown page