Shuyuciyya Wa Insaniyya
الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام
Genres
وقد ارتبط «كارل» بعلاقات الأسرة جميعا مكفولا في رعاية أبيه وكافلا لأقربائه وذويه، فكشف عن خلتين ملحوظتين في جميع علاقاته بأسرته: غلبة الأنانية، والتقصير في الواجبات.
أرهق أباه بطلب المال وهو طالب منقطع عن الدراسة يغيب أكثر الوقت عن جامعته بل عن البلدة التي فيها الجامعة، واسترسل في هذا السرف بعد علمه بحاجة أبيه إلى المال لإنفاقه على علاجه وعلاج ابنه المريض، بعد عجزه عن الكسب واعتماده على المدخر لديه من كسب شبابه، ونبهه أبوه غير مرة إلى القصد في مطالبه والاعتدال في نفقاته فلم ينتبه، ولم يقصر عن تكرار الطلب على عادته من يوم اغترابه عن أهله، فكتب إليه آخر الأمر ضجرا من هذه اللجاجة أو هذه الأثرة التي كان يقول: إنها وصمته البادية على صفحته، وصارحه بالتأنيب الشديد قائلا: «ماذا تظن؟ أتراك تحسبنا مخلوقات من الذهب!»
ثم مات أبوه - وهو في برلين - فلم يكلف نفسه مشقة الانتقال إلى بلده - وهو رب الأسرة بعد أبيه - ليواسي أهله وأخوته الصغار، ويقوم على تدبير شئون الأسرة كلها بعد فقد عائلها، ولم يشغله في هذه المحنة العائلية شاغل يباليه غير طلب الحصة التي يستحقها من ميراثه منجمة على حسب أقساطها الميسورة أولا فأولا بعد إحصائها.
واسترسل في الطلب حتى نفد نصيبه من الميراث، فمال على نصيب أمه وإخوته، وكانت أمه ترجو أن يغنيهم بكسبه أو يكفيهم على الأقل مؤنة نفقاته، فإذا هو عالة عليها يجور بمطالبه التي لا تنتهي على رزق إخوته المفتقرين إلى السند والعائل بغير أمل في مورد جديد من موارد الكسب يعولون عليه.
وضاقت أمه ذرعا بهذه الأنانية العمياء، وهذا الكنود الشديد في ولدها الأكبر الذي كانت ترجوه لها ولبنيها الصغار بعد أبيهم، وغضبت معها أخته «صوفي» التي كانت تدلله وتعزه بين لداتها إعزاز البنات لإخوانهن الكبار، فكتبتا إليه تنذرانه بقطع المدد عنه، وقالتا له بصريح العبارة: «إنك الآن في الرابعة والعشرين فاعتمد على سعيك في كسب رزقك، ولا تنتظر بعد اليوم مددا نقتطعه لك من قوت أهلك.»
15
وكف - آخر الأمر مضطرا - عن الطلب، ولكنه لم يكف عن الاستعارة من أقربائه وأصدقائه ومنهم زوج أخته وأقارب ذلك الزوج، ومنهم قريبه العم «فيليبس» وزميله في الدعوة «إنجلز» وزميله الآخر «أنينكوف».
وكانت الاستعارة - غير المردودة - وسيلته التي لا وسيلة غيرها في معاشه ومعاش زوجته، حيث كان وحيثما انتقل بين ألمانيا وفرنسا وهولندا وإنجلترا التي كان يهجرها ليعود إليها دواليك، كلما استغلقت عليه أبواب الاستعارة فيها.
وتقبل من المعونة - بل من الإحسان - ما لا يقبله رجل ذو كرامة، فكان زملاؤه الذين يضيقون بطلباته المتلاحقة يحيلون عليه الأعمال التي تطلب منهم فيقبلها وهو لا يحسن أداءها ليحيلها على من يحسن هذا الأداء ويستولي هو على أجورها.
ففي سنة 1848 زار «دانا» مدير صحيفة نيويورك تربيون مدينة كولون، فقدمه إليه زميله «ف. فريلجراث»، ثم عاد «دانيا» بعد ثلاث سنوات إلى لندن، فالتقى ب «فريلجراث» وسأله أن يكتب إلى التربيون خلاصة التعليقات السياسية في القارة مرتين كل أسبوع. فأحاله «فريلجراث» إلى «ماركس»، وقبل «ماركس» هذه الإحالة مع جهله بالإنجليزية، وعاد فأحال العمل كله إلى صديقه «إنجلز» على كثرة شواغله وتبرعه بإعالته - أو إعارته - بما كان يومئذ في وسعه. ولم يمض غير قليل حتى تبين لهم جميعا أنه مورد ضئيل لا يكفل ل «ماركس» وأسرته معيشة الكفاف؛ لأن مدير الصحيفة كان يسقط كثيرا من الرسائل، ولا يحتسب الأجر إلا على الرسائل المنشورة، عشرين شلنا لكل رسالة تأتي بعد مراجعة المهمل والمنشور!
Unknown page