151

Al-shuyūʿiyya waʾl-insāniyya fī sharīʿat al-Islām

الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام

Genres

وقد استجابت جماعات من هؤلاء المحرومين لألوان من الدعوات في قارة واحدة هي قارة أمريكا الجنوبية، استجابوا في تلك القارة لمن ينادي بالشيوعية، ولمن يحرم الشيوعية ويعاقب عليها، ولم يمض غير قليل حتى تجلى لهم عيانا أن داعية الشيوعية يعيش في قصوره عيشة القياصرة، وأن داعية الدين يكفر به ويتبرأ منه ويفسق في مخادعه فسوق الشياطين، وفتحت أبواب هذا الداعية لعباده بالأمس، فخرجوا يقولون: «ما كان أغفلنا من حمقى.»

لماذا ؟ إنهم لم يجدوا هنالك ترفا يشتهيه العاقل أو يحمده الذوق السليم، بل وجدوا الترف الذي يختلط فيه جنون الشهوة الجامحة وبطر الذوق الممسوخ، ومن أفانينه عدة تليفونية مصنوعة من الذهب مرصعة بالجوهر، يدور منها في مكان الجرس بلبل يغرد تغريدة الدعاء كلما طلب الرقم للحديث.

في شئون الإصلاح والتعمير والإنشاء هؤلاء هم المتعجلون المخدوعون.

وأولئك هم المتعجلون العابثون

وربما استمع كلاهما لدعوة الشيوعيين وهم على فطرة قويمة سليمة، لولا داء الضرورة وداء الغرور، وليس كذلك من عداهم من الملبين لتلك الدعوة والمستجيبين لغوايتها، فمن عدا المتعجلين المخدوعين والعابثين هم في الغالب شيوعيون مولودون، موجودون في الدنيا ولو لم يوجد فيها «كارل ماركس» وأعوانه من الزعماء المؤسسين والمنفذين، وشأن الأتباع كشأن الزعماء في الولع بالشر أينما ثقفوه والمبادرة إليه كلما استطاعوه، لا ترى فيهم إلا مضطغنا ينتظر أن يضطغن عليه، أو ممسوخا يستمرئ القسوة والعداوة ولا يستمرئ الرحمة والمودة، أو مشتملا على خزي دفين يتحدى به العالم تبجحا ومروقا من الحياء، ولن يشقى زعماؤه المتصدون لإقناعهم بشقاء العنت في الإقناع كما يشقى زعماء الدعوات التي تجشم الناس جهدا في الأخلاق أو جهدا في التفكير، وإنما العناء مع هؤلاء أن تثنيهم عن غزيرة تعبت في رياضتها ألوف السنين ولم تثنهم عنها، وأن تبعدهم عن النكسة إلى ضراوة الهمجية، وقد وجدوا من يتغنى بها ويقول لهم إنها هي التقدم والوثوب إلى الأمام! •••

ومحصول الدعوة ومن يدعو إليها ومن يلبيها، أنها داء يعالج معالجة الأدواء ويحمى منه الأصحاء، وقلما يقع فيه الصحيح إلا وهو شبيه بمرضاه في عرض من الأعراض يحجب الإرادة في نفوس لا تستعصي إرادتها على الحجاب، ويضلل الفكرة في عقول لا تمتنع على التضليل، وبين هؤلاء الأصحاب الشبيهين بالمرضى جماعة المخدوعين وجماعة العابثين.

ومما يحزن العاطفين على ضحايا الخداع أنهم معذورون يشفع لهم عذر اللهفة والحرمان ولا ترحمهم الحوادث لأنهم معذورون، فما كان السقام ليرحم مريضا يؤثر الشعوذة على الطلب ويعرض عن الطبيب الأمين ليهرع باختياره إلى تجرع السموم من يد المحتال الأثيم.

ومما يحزن العاطفين على ضحايا العبث والغرور ، أنهم يهزلون بالشكوى فلا تمهلهم الشكوى الهازلة أن تعلمهم الحد في شكواهم، وأن تبتليهم بالآزفة القاصفة ولا ترثي لبلواهم، فلا يلقون لديها إلا الجد الصارم ولا تلقى لديهم إلا ندامة الهازل المغرور!

ولقد خرجنا من محصول المذهب بغنيمة الصحة منه إذا عرفنا دخيلته وأيقنا - بعد ما ابتلى من مرضاه وأشباه مرضاه - وأنه ليس بالفكرة التي ينفذها البرهان، ولا بالمطلب الذي يرضيه الإنجاز، ولكنه مرض لا نسلم منه إلا أن نتتبع مواطن جراثيمه، وأن نتتبع مع هذا أسباب سريانه وانتقال عدواه، وهان بعد ذلك كل خطر يغشيه من وحي العلم أو التفكير.

الحاضر

Unknown page