Shuhada Tacassub
شهداء التعصب: رواية تاريخية وقعت أكثر حوادثها في فرنسا على عهد فرنسوا الثاني ملك فرنسا المتوفى سنة ١٥٦٠م
Genres
قالت: أقسم لك على أن ذلك لم يكن بأمر مني يا شارتر. - ولكن كيف تمكن دي جيز من مطالعة رسالة لم أكتب منها شيئا؟ - يا لك من غلام ساذج. ألا تدري أن قراءتها ممكنة إذا غطست في الماء الغالي؛ لأنك كتبتها بحبر خاص؟
قال: وهل تكلم لاساج؟
أجابت: نعم، بعد التعذيب.
قال: كيف أمكن آل جيز أن يعرفوا أن الرسالة مني؟
أجابت: ألا تذكر أبياتا كنت أرسلتها إلي أيام كنت تهواني؟ فهذه الأبيات كنت أحملها على الدوام في كتاب للصلوات. قد أطلع عليها الكردينال، وعرف ناظمها. إذن تكون أنت الخائن نفسك.
فانطفأ غضب الفيكونت؛ لأنه لا يستطيع أن يحقد على امرأة حرصت على أبيات كتبها إليها فنسي ما هو فيه، وجعل ينظر إلى كاترين، فقالت له: ما بالك لا تجيب؟ أجاب: بماذا أجيب أيتها السيدة، فقد صرت إلى السجن، ولم يبق أمامي إلا أن أهلك، وأنا شريف. قالت: أتهلك أنت وأنا نصيرتك؟ قال: أنت نصيرتي أيتها السيدة؟ قالت: أنبئني بما تحويه تلك الرسالة. أجاب: ليس فيها إلا مطاعن على آل جيز، وإظهار ولاء للأسرة المالكة.
قالت: وماذا كتبت فيها عني؟ أجاب: لا شيء، وهل أتجرأ على الكتابة عنك في رسالة إلى رجل آخر؟ قالت: إذن فليس فيها كلمة من شأنها أن تفضحني؟ أجاب: أبدا. قالت: وأين الرسائل التي كتبتها إليك قبلا؟ قال: بحقك لا تحرميني منها، فهي كل تعزيتي الأخيرة.
فمدت الملكة يدها إلى صدرة الفيكونت شارتر، وأخرجت منها رزمة عليها شريط من حرير، فجعلتها في صدرها، وكان يبكي وهو صامت، ثم قال: لماذا أخذتها مني؟ قالت: إن الدوق دي جيز عازم على استنطاقك، وقد يتجرأ على أخذ هذه الرسائل منك. أجاب: إن رسائلك خالية من التوقيع. قالت: إن الدوق وأخاه يعرفان خطي. فماذا يجري للملكة الوالدة إذا حصلا على برهان يؤكد لهما هفوتها. على أنني سأنصرك في البلاط عند الملك، وقد تطول مدة أسرك؛ لأن ابني كاره لأمير كوندة، وأنت من أعوانه. إنما ثق بأنه ما من أحد يستطيع الفتك بك.
وقد تهلل وجه كاترين منذ ما حصلت على رسائلها، فنهضت وقالت: أنا التي مكنتك من التنزه في هذا الفناء. فأجابها: شكرا لك، وإنما آمل منك أن تمكنيني من التنزه خارج هذا السجن تحت سماء طوران.
فعطفت عليه الملكة، ولثمت جبينه، وقالت: أودعك أيها الحبيب. وكان الفيكونت شارتر قليل الوثوق بالملكة فلم يشأ مخاطبتها عن فراره، فتركها تمشي، إلا أنها رجعت بعد دقيقة ممتقعة اللون حنقا، وحاكم الباستيل يتبعها وهي تقول: ألم أقل لك لا يدخل أحد إلى هنا؟ فأجابها: لم يكن في إمكاني أن أدع الدوق دي جيز واقفا عند الباب.
Unknown page