183

يجب أن نبين ما المقدمة، وما الشيء الذي يسمى حدا لمقدمة، وما المقول على الكل بالإيجاب والسلب، وما المقول على البعض، وما القياس، وما الكامل منه وما غير الكامل منه، ثم بعد ذلك نشرع في تنويع القياسات، وتعرف ما يلحقها من الاعتبارات. فالشيء الذي كان يسمى في كتاب باري إرمينياس قولا جازما وقضية. فإنه إذا جعل جزء من قياس كان مقدمة. فالمقدمة قول جازم جعل جزء قياس. وليس هذا فصلا يلحق بالمقدمة؛ بل اعتبار عرضي، حتى لو توهمنا المقدمة نفسها زال عنها أنها جزء قياس لم يجب أن تفسد ذاتها ولا كونها قولا جازما، فساد اللون الموجود في حد البياض إذا توهم أن كونه مفرقا للبصر قد زال. فإنه وإن كان فصول الجواهر قد يظن بها أنها معاني تلحق بجنسيتها، وتزول من غير فساد طبيعة جنسيتها، فلا يظن ذلك بفصول الأعراض. على أن الظن المظنون به في الجواهر مما فيه وضع نظر، وسينكشف في الموضع اللائق به. وكما أن القضايا محصورة ومهملة وشخصية، كذلك المقدمات. فيجب أن يحقق حال محصور محصور. فالمحصور الذي هو موجب كلي كقولنا كل ب( آ، فيجب أن نحققه أولا فنقول: يجب أن نعلم أن معنى قولنا: كل كذا هو كذا، هو أنه واحد واحد لا الكل جملة ولا الكلى. فليس معنى قولنا: كل إنسان، أنه كل الناس جملة، ولا الإنسان الكلى، بل إن كل واحد واحد منهم حتى لا يشذ شيء. فإنه ليس الحكم على الجملة هو الحكم على الأفراد. فربما قيل على الجملة ما ليس يقال على الأفراد. ولا الحكم على الإنسان الكلي من حيث هو كلي يجب أن يكون حكما على الجزئيات كما علمت فيما سلف، بل هذا الحكم هو على واحد واحد من الجزئيات الشخصية أو النوعية والشخصية معا إن كان المعنى جنسيا. ثم يجب أن نعلم أنه ليس معنى قولنا: كل واحد واحد مما هو كذا، معناه كل واحد مما كذا من حيث هو كذا، كقولنا: كل أبيض، ليس معناه كل ما هو أبيض من حيث هو أيبيض فقط، بل كان ما يوصف بأنه أبيض، وكل شيء يقال له أبيض كان ذلك لشيء أبيض بأنه نفس الأبيض من حيث هو أبيض، أو كان شيئا موصوفا بأنه أبيض وله حقيقة أخرى، كإنسان أو خشبة موصوفين بالبياض. وأيضا يجب أن نعلم أن قولنا: كل أبيض، ليس معناه كل ما هو موصوف بأنه أبيض دائما. فإن قولنا: كل أبيض، أعم من قولنا كل أبيض دائما. فإن الأبيض، أعم من الأبيض وقتا ما، ومن الأبيض دائما. فقولنا: كل أبيض، معناه كل واحد مما يوصف بأنه أبيض دائما أو غير دائم كان موضوعا للأبيض موصوفا به أو كان نفس الأبيض. وهذه الصفة ليست صفة الإمكان والصحة. فإن قولنا: كل أبيض، لا يفهم منه البتة أنه كل ما يصح أن يكون أبيض، بل كل ما هو موصوف بالفعل بأنه أبيض كان وقتا ما، غير ميعن أو معينا أو دائما بعد أن يكون بالفعل.

Page 209