76

Shicr Wa Fikr

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Genres

ماذا يريد الشاعر بهاتين المقطوعتين الأخيرتين؟ وكيف نفهم صفة الرطيب - أو الترطيب في ترجمتها الدقيقة - في ليالي الحب والشوق؟ ألا يتوقع أن نسمع منه كلمة أخرى أنسب لليالي الحب والشوق والعشق مثل كلمة التوهج أو الاشتعال؟ ولكننا نخطئ معنى القصيدة وهدفها لو اتجه تفكيرنا في هذا الاتجاه. فالشاعر والقصيدة قد تركا التوهج الجسدي والاشتعال وراءهما، وثبتا بصرهما على «الترطيب» أو البرودة والانطفاء الذي لا بد أن يعقب كل حب متوهج مشتعل. والمعنى العميق الذي توحي به القصيدة العميقة هو أن الحب لا يقف عند التوهج الحسي، وأن التوهج الحسي لا يبلغ أعماق الحب الحقيقي. وكلما سما الحب وارتفع ازدادت خيبة أمل المحب في كل ما يمت للأرض بسبب، وازداد كذلك إحساسه باليأس من تطرف الجسد واشتعاله بالشهوات والنزوات.

فكأن الشاعر يقصد بالترطيب شيئا قريبا من البرودة والجمود والخجل، شيئا أشبه بالإحساس بالغربة أو الاغتراب عند المقارنة بين الحب الجسدي والحب الإلهي، بين الحب الأرضي والحب السماوي. ومع ذلك فإن الشاعر الذي أحس بعجز الحب البشري قد اعترف بالحدود البشرية التي لا مفر من المرور بها قبل تجاوزها إلى مستوى أعلى وصورة أسمى من صور الحب والوجود. لقد سبق له في قصيدة مشهورة من قصائده التي كتبها في سنوات شبابه ورجولته - وهي قصيدة «حدود البشرية» - أن نصح الإنسان بالتزام هذه الحدود، حتى لا يتأرجح في الفراغ، وينجذب إلى الموجات التي تشد أجيال البشر وتبتلعهم:

لأنه لا يحق لإنسان

أن يقيس نفسه بالآلهة،

إنه إذا ارتفع بنفسه

ولمس النجوم بهامته،

لا يثبت كعباه المرتعشان

في أي مكان،

بل تعبث به

السحب والرياح.

Unknown page