235

Shicr Wa Fikr

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

Genres

أما عن العمل فيمكنني - موازاة للتحديد - أن أسميه وأحوله إلى مهاد. ويتم هذا عندما أقدمه أو أضعه في موضع الصدارة، وأجعل منه عملا منجزا أو تاما، ولكن العمل لن يخرج عن كونه تحديدا نسبيا للتاريخ، إذ لا يوجد عمل وحيد، ولا عمل من إنجاز فرد واحد. (19)

لنتابع الآن التحليل الموازي الذي بدأناه.

كما أن هناك مهادا يمكن تجربته تجربة خالصة، أي مهادا مطلقا، يتكون من واقع مفرد أو من أنواع متعددة من الواقع، من مجموعة أو «تشكيلة» من الوقائع، فهناك كذلك حكاية يمكن روايتها وتجربتها تجربة خالصة بسيطة غاية البساطة، كما أن هناك بالمثل حكاية هي «تشكيلة» أو مجموعة أشكال من الحكايات التي يمكن تجربتها تجربة خالصة، أي إدراكها إدراكا مباشرا.

وقص الحكاية البسيطة يوازي التخصيص (الذي تحدثنا عنه فيما سبق). فالحكاية تبرز من حكاية شاملة في الخلفية، كما ترتبط - إذا تمعنا فيها عن قرب - بحكايات أخرى. بهذا نكتشف علاقات الترابط العامة بين الحكايات المختلفة، أو نكتشف أن هذه الحكايات يحيل بعضها إلى البعض الآخر. (20)

لقد استطاع هسرل أن يميز المهاد المطلق من المهاد النسبي، وأن يفرق كذلك بين التحديد المطلق والنسبي. وقد بين أن المهادات المطلقة بطبيعتها المطلقة، أي بحكم كونها قابلة للتجربة المباشرة الخالصة، ليست مستقلة بنفسها. فهي في رأيه يحيل بعضها إلى بعض كما تحيل دائما إلى ما يتجاوزها، أي إلى ما تكون فيه وهو العالم.

هنا نصل إلى هذا السؤال المهم: أين توجد الموازاة؟ وما «الداخل» المطلق المستقل الذي توجد فيه الحكايات؟ (21)

ربما يبدو للوهلة الأولى أن هذا الداخل هو الزمان. وقد كنا انطلقنا من الموقف بوصفه الوضع الحاضر لحكاية ما. والموقف شيء صار أو خضع للصيرورة، وأنا الذي أوجد في الموقف لي كذلك «صيرورتي»، التي تسهم في تحديد الموقف بالنسبة لي، وأنا ونحن لنا مقاصدنا، ونحن نسعى إلى شيء في المستقبل ، لنا مقاصدنا التي نحققها بأعمالها المتجهة إلى المستقبل. غير أن الزمان - وهذا ما بينه هسرل بوضوح تام - لا يوجد ك «ظاهرة»؛ لأنني لا أستطيع أن «أراه» ولا أن «أتأمله». إن العالم ظاهرة، وهو معطى لي، أما الزمان فليس معطى لي، إنه صورة للعالم (أو شكله) كما هو صورتي أنا نفسي (راجع الحولية الفلسفية لجمعية جوريس، المجلد الثالث، ص362). ومع ذلك فنحن نتكلم عن الزمان، أي «ندركه» على نحو من الأنحاء، ولكن ما طبيعته التي ندركه عليها؟

لقد بين هسرل أن الزمان هو صورة (شكل) الحياة التي تجرب العالم. وقد رأينا منذ قليل أن الحياة التي تجرب العالم ليست رؤية فحسب، بل هي عمل أيضا. ومعنى هذا أن الحياة التي تجرب العالم تجري على هيئة حكايات (تواريخ)، وأنها يجب أن تدرك بهذه الصفة. والظاهرة العينية ليست هي الزمان، بل هي الحكاية (التاريخ)

14

المعيشة، المروية، والمعبر عنها. والزمان هو صورة الحكاية (التاريخ). والزمان لا يظهر نفسه بنفسه، إنه يعبر عن نفسه بوصفه صورة مضمون حي. أما ما يظهر نفسه فهو الحي ذاته، الصورة والمضمون، الحكاية (التاريخ) العينية. إن الزمان - من حيث أنه صورة - كامن فيما يعبر عنه، وما يقال، وما يسمع، وما يعاش، وما يحكى. (22)

Unknown page