156

Sharh Usul Kafi

شرح أصول الكافي

Investigator

علي عاشور

Edition Number

الأولى

Publication Year

1421 AH

Genres

عجالة من الأنوار العقلية والفيوضات القلبية وإلى أن كماله فطام النفس عن الشهوات ونزع القلب عن الأماني والشبهات وترك ما يمنعه من التوجه إلى الآخرة من الزهرات وخلو السر عن النظر إلى الدنيا وما فيها من المقتنيات استحقر الدنيا وما فيها ورجع بالكلية إلى حضرة الحق وما في الآخرة من المقامات فيقنع من الدنيا بقدر الكفاف وبما يقيم به بدنه وقواه ويقدر به على الإقامة بالطاعات إذ التعرض للزايد على ذلك لقصور العقل وضعف اليقين وفتور النيات وخلو النفس عن المعارف النورانية وإلفها بالمحسوسات وانفتاح عينها إلى الأمور الدنيوية والصور الوهمية واحتباسها في الظلمات وغفولها أن الدنيا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه ليجده شيئا فيضيع سعيه ويزداد عليه الندامة والحسرات (ومن قنع بما يكفيه استغنى) بما يكفيه عن الزايد أو بالآخرة عن الدنيا أو بالحق عن الخلق من رضي بالقوت وتوكل على الحي الذي لا يموت لم يفتقر إلى غيره لأجل المسكنة (ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا) لأن الغنى هو الكفاف فمن لم يكفه الكفاف فجميع ما في الأرض لا يكفيه، ولأن طلب الزيادة منوط بالحرص، ومراتب الحرص غير محصورة، فإذا حصلت له مرتبة من تلك المراتب طلب ما فوقها فلذلك قال عيسى (عليه السلام) لأصحابه:

يا معشر الحواريين لأنتم أغنى من الملوك، قالوا: وكيف يا روح الله؟ وليس نملك شيئا، قال: أنتم ليس عندكم شيىء ولا تريدونه وهم عندهم أشياء ولا يكفيهم.

* الأصل:

«يا هشام إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها، إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا، لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه. (يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عبد الله بشئ أفضل من العقل وما تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت، لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه وهو تمام الأمر يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.

يا هشام لادين لمن لا مروة له ولا دين لمن لاعقل له، وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى

Page 172