Sharḥ al-Talwīḥ ʿalā al-Tawḍīḥ li-matn al-Tanqīḥ fī uṣūl al-fiqh
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genres
قوله: "والأمر حقيقة" أعاد صريح اللفظ دون الكناية؛ لأنه أراد الاسم دون المسمى كما يقال: الأسد حقيقة في السبع مجاز في غيره، يعني أن أمر حقيقة في صيغة افعل استعلاء بالاتفاق، ويطلق على الفعل مجازا عند الجمهور، وحقيقة عند البعض حتى يكون مشتركا فقد ذهب أبو الحسين البصري إلى أن لفظ الأمر مشترك بين القول المخصوص والشيء والفعل، والصفة والشأن لتبادر الذهن عند إطلاقه إلى هذه الأمور، ورد بالمنع بل يتبادر إلى القول المخصوص، وقيل: هو حقيقة للقدر المشترك بين الفعل والقول أعني مفهوم أحدهما دفعا للمجاز والاشتراك، وهو قول حادث فعله عليه السلام استفيد من قوله: "صلوا", على أنه أنكر على الأصحاب صوم الوصال، وخلع النعال مع أنه فعل، وموجبه التوقف عند ابن سريج حتى يتبين المراد ; لأنه يستعمل في معان مختلفة، وهي ستة عشر قلنا لو وجب التوقف هنا لوجب في النهي لاستعماله في معان ولأن النهي أمر بالانتهاء فلا يبقى الفرق بين قولك افعل ولا
"وتسميته أمرا مجاز إذ الفعل يجب به" قوله إذ الفعل إلخ بيان لعلاقة المجاز بين الأمر والفعل "سلمنا أنه حقيقة فيه" أي في الفعل "لكن الدلائل تدل على أن القول للإيجاب لا الفعل" أي الدلائل التي تدل على أن الأمر القولي للإيجاب لا الفعل فإن تلك الدلائل غير قوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} [النور:63] يراد بها الأمر القولي، ولا
...................................................................... ..........................
مخالف للإجماع فلم يلتفت إليه، وإذا كان الأمر حقيقة في الفعل، أيضا فالأدلة الدالة على كون الأمر للإيجاب تدل على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أيضا يدل على الإيجاب ضرورة أنه أمر وكل أمر للإيجاب، ولا يخفى أنه إنما يستقيم عند من يقول بعموم المشترك ليكون قولنا كل أمر شاملا للقول والفعل فالقول بكون فعله عليه السلام للإيجاب فرع على كونه أمرا فالحاصل أنه إذا نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فعل فإن كان سهوا أو طبعا أو خاصا به فلا يجاب إجماعا، وإن كان بيانا لمجمل الكتاب يجب اتباعه إجماعا، وإن كان غير ذلك فهل يجوز أن يقول حقيقة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، وهل يجب علينا اتباعه أم لا؟ فقال البعض نعم، وقال الأكثرون لا، وهو المختار، وللمخالفين مقامان: أحدهما الأصل، وهو أن الفعل أمر، والثاني متفرع عليه، وهو أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم للإيجاب فاحتجوا على الأصل بقوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} [هود:97]، أي فعله؛ لأنه الموصوف بالرشيد، وكذا قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى:38] {وتنازعتم في الأمر} [آل عمران:152] {أتعجبين من أمر الله} [هود:73]، وأمثال ذلك، واحتجوا عن الفرع بقوله عليه السلام: "صلوا كما رأيتموني أصلي" 1 قاله حين شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاها مرتبة فثبت بهذا النفي أن فعله واجب الاتباع، وهو معنى كونه للإيجاب كما ثبت بقوله تعالى: { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [المائدة:92] أن قوله موجب فإن قلت: أي حاجة إلى الاحتجاج على الفرع بعد إثبات الأصل؟ قلت فيه تنبيه على أنه مع ابتنائه على الأصل وثبوته بأدلته ثابت بدليل مستقل.
قوله: "قلنا" لما احتج الخصم على كل من الأصل والفرع على حدة احتج المصنف على بطلان كل منهما مع إشارة إلى جواب عن احتجاجه، والاحتجاج على بطلان الأصل من وجهين: الأول أن الأمر حقيقة في القول المخصوص بمعنى أنه موضوع له بخصوصه اتفاقا فلو كان حقيقة في الفعل أيضا يلزم الاشتراك، وهو خلاف الأصل لإخلاله بالتفاهم فلا يرتكب إلا بدليل، والمجاز وإن كان خلاف الأصل إلا أنه راجح على الاشتراك لكونه أكثر، وإنما قيدنا بقولنا أنه موضوع له
1 رواه البخاري في كتاب الأذان باب 018 الدارمي في كتاب الصلاة 042 أحمد في مسنده "5/53".
Page 284