266

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

فقال معاوية : إن لي في الإسلام لقدما ، وإن كان غيري أحسن قدما مني ، لكنه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه مني ، ولقد رأى عمر بن الخطاب ذلك ، فلو كان غيري أقوى مني لم يكن عند عمر هوادة لي ولا لغيري ، ولم أحدث ما ينبغي له أن أعتزل عملي ، فلو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إلي بخط يده فاعتزلت عمله ، فمهلا فإن في دون ما أنتم فيه ما يأمر فيه الشيطان وينهى . ولعمري لو كانت الأمور تقضى على رأيكم وأهوائكم ما استقام الأمر لأهل الإسلام يوما ولا ليلة ، فعاودوا الخير وقولوه ، فإن الله ذو سطوات ؛ وإني خائف عليكم أن تتتابعوا إلى مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن فيحلكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل . فوثبوا على معاوية فأخذوا برأسه ولحيته فقال : مه ! إن هذه ليست بأرض الكوفة ، والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى يقتلوكم ؛ فلعمري إن صنيعكم يشبه بعضه بعضا .

ثم قام من عندهم ، وكتب إلى عثمان في أمرهم ، فكتب إليه أن ردهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة . فردهم ، فأطلقوا ألسنتهم في ذمه وذم عثمان وعيبهما . فكتب إليه عثمان أن يسيرهم إلى حمص ، إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فسيرهم إليها .

وروى الواقدي قال : لما سير بالنفر الذي طردهم عثمان عن الكوفة إلى حمص - وهم : الأشتر ، وثابت بن قيس الهمداني ، وكميل بن زياد النخعي ، وزيد بن صوحان ، وأخوه صعصعة ، وجندب بن زهير الغامدي ، وجندب بن كعب الأزدي وعروة بن الجعد ، وعمر بن الحمق الخزاعي ، وابن الكواء - جمعهم عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، بعد أن أنزلهم أياما ، وفرض لهم طعاما ، ثم قال لهم يا بني الشيطان ، لا مرحبا بكم ولا أهلا ؛ قد رجع الشيطان محسورا . وأنتم بعد في بساط ضلالكم وغيكم ! جزى الله عبد الرحمن إن لم يؤذكم ! يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم ! أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية ! أنا ابن خالد بن الوليد ! أنا ابن من عجمته العاجمات ، أنا ابن فاقئ عين الردة ؛ والله يابن صوحان لأطيرن بك طيرة بعيدة المهوى إن بلغني أن أحدا ممن معي دق أنفك فأقنعت رأسك .

قال : فأقاموا عنده شهرا ، كلما ركب أمشاهم معه ، ويقول لصعصعة : يابن الخطيئة ، إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر ؛ ما لك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية ! فيقولون : سنتوب إلى الله ، أقلنا أقالك الله ! فما زال دأبه ودأبهم ، حتى قال : تاب الله عليكم ، فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ، ويسأله فيهم ، فردهم إلى الكوفة .

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري رحمه الله تعالى : ثم إن سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة إحدى عشرة من خلافته . فلما دخل المدينة اجتمع قوم من الصحابة ، فذكروا سعيدا وأعماله ، وذكروا قرابات عثمان وما سوغهم من مال المسلمين ، وعابوا أفعال عثمان ، فأرسلوا إليه عامر بن عبد القيس - وكان متألها ، واسم أبيه عبد الله ، وهو من تميم ، ثم من بني العنبر - فدخل على عثمان ، فقال له : إن ناسا من الصحابة اجتمعوا ونظروا في أعمالك ، فوجدوك قد ركبت أمورا عظاما ، فاتق الله وتب إليه . فقال عثمان : انظروا إلى هذا ، تزعم الناس أنه قارئ ، ثم يجيء إلي فيكلمني فيما لا يعلمه ! والله ما تدري أين الله ! فقال عامر : بلى والله لأدري أن الله لبالمرصاد .

Page 80