Sharḥ Nahj al-Balāgha
شرح نهج البلاغة
Editor
محمد عبد الكريم النمري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
قال : وقد روى أن قضاعة استقبلتهم ؛ ينحرون لهم الجزر ، حتى دخلوا المدينة قال : فدخلوها ، وعامل علي عليه السلام عليها أبو أيوب الأنصاري ، صاحب منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرج عنها هاربا ، ودخل بسر المدينة ، فخطب الناس وشتمهم وتهددهم يومئذ وتوعدهم ، وقال : شاهت الوجوه ! إن الله تعالى قال : ' وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها . . . ' الآية ، وقد أوقع الله تعالى ذلك المثل بكم وجعلكم أهله ؛ كان بلدكم مهاجرالنبي صلى الله عليه ومنزله ، وفيه قبره ومنازل الخلفاء من بعده ؛ فلم تشكروا نعمة ربكم ، ولم ترعوا حق نبيكم ، وقتل خليفة الله بين أظهركم ، فكنتم بين قاتل وخاذل ، ومتربص وشامت ، إن كانت للمؤمنين ، قلتم : ألم نكن معكم ! وإن كان للكافرين نصيب ، قلتم : ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ! ثم شتم الأنصار ، فقال : يا معشر اليهود وأبناء العبيد : بني زريق ، وبني النجار ، وبني سليمة ، وبني عبد الأشهل ، أما والله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين وآل عثمان ؛ أما والله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة . فتهددهم حتى خاف الناس أن يوقع بهم ، ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى - ويقال إنه زوج أمه - فصعد إليه المنبر ، فناشده ، وقال : عترتك وأنصار رسول الله ، وليسوا بقتلة عثمان ؛ فلم يزل به حتى سكن ، ودعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه . ونزل فأحرق دورا كثيرة ، منها دار زرارة بن حرون ، أحد بني عمرو بن عوف ، ودار رفاعة بن رافع الزرقي ، ودار أبي أيوب الأنصاري . وتفقد جابر بن عبد الله ، فقال : ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة ! لا أمان لكم عندي ، أو تأتوني بجابر ؛ فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله عنها ، فأرسلت إلى بسر ابن أرطأة ، فقال : لا أؤمنه حتى يبايع ، فقالت له أم سلمة : إذهب فبايع ، وقالت لابنها عمر : اذهب فبايع ، فذهبا فبايعاه .
قال إبراهيم : وروى الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان ، قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : لما خفت بسرا وتواريت عنه ، قال لقومي : لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر ، فأتوني وقالوا : ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت ، فحقنت دمك ودماء قومك ، فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا ، وسبيت ذرارينا . فاستنظرتهم الليل ، فلام أمسيت دخلت على أم سلمة فأخبرتها الخبر ، فقالت : يا بني ، انطلق فبايع ، احقن دمك ودماء قومك ؛ فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع ، وإني لأعلم أنها بيعة ضلالة .
قال إبراهيم : فأقام بسر بالمدينة أياما ثم قال لهم : إني قد عفوت عنكم ، وإن لم تكونوا لذلك بأهل ؛ ما قوم قتل إمامهم بين ظهرانيهم بأهل أن يكف عنهم العذاب ؛ ولئن نالكم العفو مني في الدنيا ؛ إني لأرجو ألا تنالكم رحمة الله عز وجل في الآخرة ، وقد استخلفت عليكم أبا هريرة ، فإياكم وخلافه . ثم خرج إلى مكة .
Page 7