207

Sharh Mishkat

شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى ب (الكاشف عن حقائق السنن)

Investigator

د. عبد الحميد هنداوي

Publisher

مكتبة نزار مصطفى الباز مكة المكرمة

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤١٧ هـ - ١٩٩٧ م

Publisher Location

الرياض

Genres

١٥٢ - وعن عبد الله بن عمرو، قال: هجرت إلى رسول الله ﷺ يومًا، قال:
ــ
يقال: فأما الذين في قلوبهم استقامة فيتبعون المحكم. فوضع موضع ذلك: «الراسخون في العلم يقولون آمنا» وإنما وضع «يقولون آمنا» موضع «يتبعون المحكم» لإيثار لفظ الرسوخ في الابتداء؛ لأن الرسوخ في العلم لا يحصل إلا من بعد التتبع التام، والاجتهاد البليغ، فإذا استقام القلب على سبيل الرشاد، ورسخ القدم في العلم – أفصح صاحبه النطق بالقول الحق إرشادًا للخلق، وكفى بدعاء الراسخين في العلم: ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا﴾ شاهدًا على أن ﴿والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ﴾ مقابل لقوله: ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ﴾.
وفيه أيضًا إشارة إلى أن الوقف «على الله» والابتداء بقوله: «والراسخون» وقف تام، إلى أن علم بعض المتشابه مختص بالله تعالى، وأن من حاول معرفته هو الذي أشار إليه ﵊ بقوله: «إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله زائغين، فاحذروهم». وقوله: «رأيت» وقع في صحيح البخاري بفتح التاء وكذا في بعض نسخ المصابيح على الخطاب العام، ومن ثم جمعه في قوله: «فاحذروهم» ويؤيده رواية مسلم: «رأيتم». وفي بعضها بكسر التاء خطابا لأم المؤمنين، فيكون «فاحذروهم» على أسلوب قوله تعالى: ﴿ْيَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ لأنها أم المؤمنين بيانًا لشرفها وغزارة علمها. «الكشاف: كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان! افعلوا كيت وكيت، إظهارًا لتقدمه، واعتبارًا لترؤسه.
«تو»: المتشابه الذي يحذر منه، هو صفات الله تعالى التي لا كيفية لها، وأوصاف القيامة التي لا سبيل إلى إدراكها بالقياس والاستنباط، ولا سبيل إلى استحضارها في النفوس، إلا أنها معرفة على لسان الشارع. وسئل مالك بن أنس عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى﴾ قال: الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. السجاوندي: العقل مبتلى باعتقاد حقيقة المتشابه كابتلاء البدن بأداء العبادات، فالحكيم إذا صنف كتابًا ربما أجمل فيه إجمالًا؛ ليكون موضع جثو المتعلم لأستاذه، والملوك يكثر في أمثلتهم علامات لا تدركها العقول. وقيل: لو لم يبتل العقل الذي هو أشرف لاستمر العالم في أبهة العلم على المرودة، وما استأنس إلى التذلل بغير العبودة، والمتشابه هو موضع جثو العقول

2 / 619