Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
الوجه الثالث للأشعري أن الصفات باقية ببقاء هو بقاء الذات وجاز ذلك لعدم المغايرة بين الذات والصفات بخلاف الجوهر مع إعراضه فلذا لم يكن بقاؤه بقاء لها ويرد عليه أن الصفات كما أنها ليست غير الذات فليست عينه أيضا وكما امتنع اتصاف الشيء بصفة قائمة بالغير فكذا بصفة قائمة بما نفس ليس ذلك الشيء وأما الاعتراض بأنه لو كانت الصفات باقية ببقاء الذات لعدم التغاير لكانت عالمة بعلمه قادرة بقدرته إلى غير ذلك فليس بشيء لأن ذلك فرع صحة الاتصاف وقد صح كون العلم مثلا باقيا بخلاف كونه قادرا قال ومنها التكوين اشتهرالقول به عن الشيخ أبي منصور الماتريدي وأتباعه وهم ينسبونه إلى قدمائهم الذين كانوا قبل الشيخ أبي الحسن الأشعري حتى قالوا أن قول أبي جعفر الطحاوي له الربوبية ولا مربوب والخالقية ولا مخلوق إشارة إلى هذا وفسروه بإخراج المعدوم عن العدم إلى الوجود ثم أطنبوا في إثبات أزليته ومغايرته للقدرة وكونه غير المكون وأن أزليته لا يستلزم أزلية المكونات إلا أنهم سكتوا عما هو أصل الباب أعني مغايرته للقدرة من حيث تعلقها بأحد طرفي الفعل والترك واقترانها بإزادته والعمدة في إثباته أن الباري تعالى يكون الأشياء أجماعا وهو بدون صفة التكوين محال كالعام بلا علم ولا بد أن يكون أزلية لامتناع قيام الحوادث بذات الله تعالى ثم اختلف أسماءها بحسب اختلاف الآثار فمن حيث حصول المخلوقات به يسمى تخليقا والأرزاق ترزيقا والصور تصويرا والحياة إحياء والموت إماتة إلى غير ذلك وأجيب بأن ذلك إنما هو في الصفات الحقيقية كالعلم والقدرة ولا نسلم أن التأثير وإلإيجاد كذلك بل هو معنى يعقل من إضافة المؤثر إلى الأثر فلا يكون إلا فيما لا يزال ولا يفتقر إلا إلى صفة القدرة والإرادة وقد يستدل بوجوه أخرى
أحدها أن الباري تعالى تمدح في كلامه الأزلي بأنه الخالق البارىء المصور فلو لم يثبت التخليق والتصوير في الأزل بل فيما لا يزال لكان تمدحا من الله بما ليس فيه وهو محال ولزم اتصافه بصفة الكمال بعد خلوه عنها وهو عليه محال وأجيب بأنه كالتمدح بقوله تعالى
﴿يسبح له ما في السماوات والأرض﴾
وقوله تعالى
﴿وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله﴾
أي معبود ولا شك أن ذلك بالفعل إنما يكون فيما لا يزال لا في الأزل والإخبار عن الشيء في الأزل لا يقتضي ثبوته فيه كذكر الأرض والسماء والأنبياء وغير ذلك نعم هو في الأزل بحيث تحصل له هذه التعلقات والإضافات فيما لا يزال لماله من صفات الكمال
وثانيها أن الأشاعرة يقولون في قوله تعالى
﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾
أنه قد جرت العادة الإلهية بأنه يكون الأشياء لأوقاتها بكلمة أزلية هي كلمة كن ولا نعني بصفة التكوين إلا هذا وأجيب بأنه حينئذ يعود إلى صفة الكلام ولا تثبت صفة أخرى على أن الأكثرين يجعلونه مجازا عن سرعة الإيجاد والتكوين بما له من كمال العلم والقدرة والإرادة
وثالثها أن التكوين والإيجاد صفة كمال فلو خلا عنها في الأزل لكان نقصا وهو عليه محال وأجيب بأن ذلك إنما هو فيما يصح اتصافه به في الأزل ولا نسلم أن التكوين والإيجاد بالفعل كذلك نعم هو في الأزل قادر عليه ولا كلام فيه ثم عورضت الوجوه المذكورة بوجهين
الأول أنه لا يعقل من التكوين إلا الأحداث وإخراج المعدوم من العدم إلى الوجود كما فسره القائلون بالتكوين الأزلي ولا خفاء في أنه إضافة يعتبرها العقل من نسبة المؤثر إلى المؤثر فلا يكون موجودا عينيا ثابتا في الأزل
Page 109