Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
والثاني في العقل لما عرفت من أن الجوهر المجرد إن تعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف فنفس وإلا فعقل وقد تطلق لفظ النفس على ما ليس بمجرد بل مادي كالنفس النباتية التي هي مبدأ أفاعيله من التغذية والتنمية والتوليد والنفس الحيوانية التي هي مبدأ الحس والحركة الإرادية وتجعل النفس الأرضية اسما لهما أو للنفس الناطقة الإنسانية فتفسر بأنها كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة والمراد بالكمال ما يكمل به النوع في ذاته ويسمى كمال أول كهيئة السيف للحديد أو في صفاته ويسمى كمالا ثانيا كسائر ما يتبع النوع من العوارض مثل القطع للسيف والحركة للجسم والعلم للإنسان فإن قيل قد سبق أن الحركة كمال أول قلنا نعم بالنظر إلى ما هو بالقوة من حيث هو بالقوة فإنه أول ما يحصل له بعد مالم يكن وإما بالنظر إلى ذات الجسم فكمال ثان والمراد بالجسم ههنا الجنس أعني المأخوذ لا بشرط أن يكون وحده أو لا وحده بل مع تجويز أن يقارنه غيره وأن لا يقارنه لأنها الطبيعة الجنسية الناقصة التي إنما تتم وتكمل نوعا بانضمام الفصل إليه لا المأخوذ بشرط أن يكون وحده لأنها مادة متقدمة بالوجود على النوع غير محمولة عليه والنفس بالنسبة إليه صورة لا كمال يجعله نوعا بالفعل وقد سبق تحقيق ذلك في بحث الماهية وإنما أخذ الجسم في تعريف النفس لأنه اسم لمفهوم إضافي هو مبدأ صدور أفاعيل الحياة عن الجسم من غير نظر إلى كونه جوهرا أو عرضا مجردا أو ماديا فلا بد من أخذه في تعريف النفس لا من حيث ذاتها بل من حيث لها تلك العلاقة لها كالبناء في تعريف الباني والمراد بالطبيعي ما يقابل الصناعي وبالآلي ما يكون له قوى وآلات مثل الغاذية والنامية ونحو ذلك فخرج بالقيود السابقة الكمالات الثانية وكمالات المجردات والأعراض وهيئات المركبات الصناعية وبالآلي صور البسائط والمعدنيات إذ ليس فعلها بالآلات لا يقال قيد ذي حياة بالقوة مغن عن ذلك لأنا نقول ليس معناه أن يكون ذلك الجسم حيا ولا ان يصدر عنه جميع أفعال الحياة وإلا لم يصدق التعريف إلا على النفس الإنسانية دون النباتية والحيوانية بل أن يكون بحيث يمكن أن يصدر عنه بعض أفعال الأحياء وإن لم يتوقف على الحياة ولا خفاء في أن البسائط والمعدنيات كذلك وفائدة هذا القيد الاحتراز عن النفس السماوية عند من يرى أن النفس إنما هي للفلك الكلي وأن ما فيه من الكواكب والأفلاك الجزئية بمنزلة آلات له فتكون جسما آليا إلا أن ما يصدر عنه من التعقلات والحركات الإرادية التي هي من أفاعيل الحياة تكون دائما وبالعقل لا كأفاعيل النبات والحيوان من التغذية والتنمية وتوليد المثل والإدراك والحركة الإرادية والنطق أعني تعقل الكليات فإنها ليست دائمة بل قد تكون بالقوة وإما عند من يرى أن لكل كرة نفسا وأنها ليست من الأجسام الآلية فلا حاجة إلى هذا القيد ولهذا لم يذكره الأكثرون وذهب أبو البركات إلى أنه إنما يذكر عوض قولهم آلي فيقال كمال أول طبيعي لجسم ذي حياة بالقوة وعبارة القدماء كمال أول طبيعي لجسم آلي واحترزوا بطبيعي عن الكمالات الصناعية كالتشكيلات الحاصلة بفعل الإنسان ثم قال وقد يقال كمال أول لجسم طبيعي آلي بتأخير طبيعي وهو إما غلط في النقل وإما مقصود به المعنى الذي ذكرنا فظهر أن ما يقال من أن بعضهم رفع طبيعي بصفة الكمال ليس معناه أنه يرفع مع التأخير صفة الكمال ويخفض بعده آلي صفة لجسم فإنه في غاية القبح وكذا لو رفع آلي أيضا صفة لكمال مع ذكر ذي حياة صفة لجسم بل معناه أنه يقدم فيرفع على ما قال الإمام أن بعضهم جعل الطبيعي صفة للكمال فقال كمال أول طبيعي لجسم آلي فإن قيل فعلى ما ذكر من أن قيد ذي حياة بالقوة لإخراج النفس السماوية يكون قولنا كمال أول لجسم طبيعي آلي معنى شاملا للأرضية والسماوية صالحا لتعريفهما به وقد صرحوا بأن إطلاق النفس عليهما بمحض اشتراك اللفظ إذ اللفظ الأولي باعتبار أفعال مختلفة والثانية باعتبار فعل مستمر على نهج واحد وأنه لا يتناولهما رسم واحد إذ لو اقتصر على مبدائية فعل ما دخلت صور البسائط والعنصريات وإن اشترط القصد والإرادة خرجت النفس النباتية وإن اعتبر اختلاف الأفعال خرجت الفلكية قلنا مبنى هذا التصريح على المذهب الصحيح وهو أن لكل فلك نفسا وليس للنفوس السماوية اختلاف أفعال وآلات على أنه أيضا موضع نظر لما ذكر في الشفاء من أن النفس اسم لمبدأ صدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة ولا خفاء في أنه معنى شامل لها صالح لتعريفهما على المذهبين لأن فعل النفس السماوية ليس على نهج واحد عادم للإرادة بل على أنهاج مختلفة على رأي وعلى نهج واحد مع الإرادة على الصحيح فإن قيل النفس كما أنها كمال للجسم من حيث أنه بها يتم ويتحصل نوعا كذلك هي صورة له من حيث أنها تقارن المادة فيحصل جوهر نباتي أو حيواني وقوة له من حيث أنها مبدأ صدور أفعاله فلم أؤثر في تعريفهما الكمال على الصورة والقوة وما ذكروا من أنا نجد بعض الأجسام يختص بصدور آثار مختلفة عنها فيقطع بأن ذلك ليس بجسميتها المشتركة بل لمبادىء خاصة نسميها نفسا بل ربما يشعر بأن الأولى ذكر القوة قلنا أما إيثاره على الصورة فلأنها بالحقيقة اسم لما يحل المادة فلا يتناول النفس الإنسانية المجردة إلا بتجوز أو تجديد اصطلاح ولأنها تقاس إلى المادة والكمال إلى النوع ففي تعريف المعنى الذي به يتحصل الجسم فيصير أحد الأنواع ومصدر الأفعال يكون المقيس إلى أمر هو نفس ذلك المتحصل أولى من المقيس إلى أمر بعيد لا يكون هو معه إلا بالقوة ولا ينتسب إليه شيء من الأفاعيل هذا ملخص كلام الشفاء وتقرير الإمام أن المقيس إلى النوع أولى لأن في الدلالة على النوع دلالة على المادة لكونها جزأ منه من غير عكس ولأن النوع أقرب إلى الطبيعة الجنسية من المادة وكان معناه أن النفس تقاس إلى الطبيعة الجنسية المبهمة الناقصة التي إنما تتحصل وتتم نوعا لما ينضاف إليها من الفصل بل النفس فتعريفها بالكمال المقيس إلى النوع الذي هو أقرب إلى الجنس من حيث أنهما متحدان في الوجود لا يتمايزان إلا في العقل بأن أخذ هذا مبهما وذاك متحصلا يكون أولى هذا وقد يتوهم مما ذكره الإمام أن النفس كمال بالقياس إلى أن الطبيعة الجنسية كانت ناقصة وبانضياف الفصل إليها كمل النوع أن الكمال يكون بالقياس إلى الطبيعة الجنسية على ما صرح به في المواقف وحينئذ يكون توسيط النوع وكونه أقرب إلى طبيعة الجنس مستدركا وهو فاسد على مالا يخفى واما إيثاره على القوة فلأنها لفظ مشترك بين مبدأ الفعل كالتحريك ومبدأ القبول والانفعال كالإحساس وكلاهما معتبر في العقل وفي الاقتصار على أحدهما مع أنه إخلال بما هو مدلول النفس استعمال للمشترك في التعريف وكذا في اعتبارهما جميعا ولأن الشيء إنما يكون نفسا بكونه مبدأ الآثار ومكمل النوع ولفظ القوة لا يدل إلا على الأول بخلاف لفظ الكمال ولا شك أن تعريف الشيء بما ينبئ عن جميع الجهات المعتبرة فيه يكون أولى ففي الجملة لما أمكن تفسير النفس بما يعم السماويات والأرضيات ثم تمييز كل بما يخصها وكان ذلك أقرب إلى الضبط أثره في المتن فإن قيل قد ذكروا أن للسماويات حسا وحركة وتعقلا كليا فعلى هذا لا يصلح ذلك مميز الحيوانية والإنسانية قلنا ذكر في الشفاء أن المراد بالحس ههنا ما يكون على طريق الانفعال وارتسام المثال وبالتعقل ما هو شأن العقل الهيولاني والعقل بالملكة وأمر السماويات ليس كذلك قال ثم مقتضى قواعدهم يعني أن مقتضى ما ذكروا من أن كل نفس مبدأ لآثار مخصوصة وأن لكل نوع من الأجسام صورة نوعية هي جوهر حال في المادة وأن البدن الإنساني يتم جسما خاصا ثم تتعلق به النفس الناطقة يقتضي أن يكون في الإنسان نفس هي مبدأ تعقل الكليات وكذا في كل حيوان بخواصه وأخرى مبدأ الحركات والإحساسات وأخرى مبدأ التغذية والتنمية وتوليد المثل لكن ذكر في شرح الإشارات وغيره أن ليس الأمر كذلك بل المركبات منها ما له صورة معدنية يقتصر فعلها على حفظ المواد المجتمعة من الاسطقسات المتضادة بكيفياتها المتداعية إلى الانفكاك لاختلاف ميولها إلى أمكنتها المختلفة ومنها ما له صورة يسمى نفسا نباتية يصدر عنها مع الحفظ المذكور جمع أجزاء أخر من الاسطقسات وإضافتها إلى مواد المركب وصرفها في وجوه التغذية والإنماء والتوليد ومنها ما له صورة يسمى نفسا حيوانية يصدر عنها مع الأفعال النباتية والحفظ المذكور الحس والحركة الإرادية ومنها ما له نفس مجردة يصدر عنها مع الأفعال السابقة كلها النطق وما يتبعه قال وأما عندنا يعني لما لم يثبت عند المتكلمين اختلاف أنواع الأجسام واستناد الآثار إليها ليحتاج إلى فصول منوعة ومبادي مختلفة بنوا إثبات النفس على الأدلة السمعية والتنبيهات العقلية مثل أن البدن وأعضاءه الظاهرة والباطنة دائما في التبدل والتحلل والنفس بحالها وأن الإنسان الصحيح العقل قد يغفل عن البدن وأجزائه ولا يغفل بحال عن وجود ذاته وأنه قدير ما يمانعه البدن مثل الحركة إلى العلو وبالجملة قد اختلفت كلمة الفريقين في حقيقة النفس فقيل هي النار السارية في الهيكل المحسوس وقيل الهواء وقيل الماء وقيل العناصر الأربعة والمحبة والغلبة أي الشهوة والغضب وقيل الإختلاط الأربعة وقيل الدم وقيل نفس كل شخص مزاجه الخاص وقيل جزء لا يتجزأ في القلب وكثير من المتكلمين على أنها الأجزاء الاصلية الباقية من أول العمر إلى آخره وكان هذا مراد من قال هي هذا الهيكل المحسوس والبنية المحسوسة أي التي من شأنها أن يحس بها وجمهورهم على أنها جسم مخالف بالماهية للجسم الذي يتولد منه الأعضاء نوراني علوي خفيف حي لذاته نافذ في جواهر الأعضاء سار فيها سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم لا يتطرق إليه تبدل ولا انحلال بقاؤه في الأعضاء حياة وانتقاله عنها إلى عالم الأرواح موت وقيل أنها أجسام لطيفة متكونة في القلب سارية في الأعضاء من طريق الشرايين أي العروق الضاربة أو متكونة في الدماغ نافذة في الأعصاب النابتة منه إلى جملة البدن واختيار المحققين من الفلاسفة وأهل الإسلام أنها جوهر مجرد في ذاته متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ومتعلقه أو لا وهو ما ذكره المتكلمون من الروح القلبي المتكون في جوفه الأيسر من بحار الغذاء ولطيفه ويفيده قوة بها تسري في جميع البدن فتفيد كل عضو قوة بها يتم نفعه من القوى المذكورة فيما سبق احتج القائلون بكونها من قبيل الأجسام بوجوه
الأول أن المدرك للكليات أعني النفس هو بعينه المدرك للجزئيات لأنا نحكم بالكلي على الجزئي كقولنا هذه الحرارة حرارة والحاكم بين الشيئين لا بد أن يتصورهما والمدرك للجزئيات جسم لأنا نعلم بالضرورة أنا إذا لمسنا النار كان المدرك لحرارتها هو العضو اللامس ولأن غير الإنسان من الحيوانات يدرك الجزئيات مع الاتفاق على أنا لا نثبت لها نفوسا مجردة ورد بأنا لا نسلم أن المدرك لهذه الحرارة هو العضو اللامس بل النفس بواسطته ونحن لا ننازع في أن المدرك للكليات والجزئيات هو النفس لكن للكليات بالذات وللجزئيات بالآلات وإذا لم يجعل العضو مدركا أصلا لا يلزم أن يكون الإدراك مرتين والإنسان مدركين على ما قيل ويمكن دفعه بأنه يستلزم إما إثبات النفوس المجردة للحيوانات الأخر وإما جعل إحساساتها للقوى والأعضاء وإحساسات الإنسان للنفس بواسطتها مع القطع بعدم التفاوت
Page 30