Sharḥ Lumʿat al-Iʿtiqād - Nāṣir al-ʿAql
شرح لمعة الاعتقاد - ناصر العقل
Genres
أحقية الخلفاء الأربعة للخلافة على الترتيب
وأبو بكر أحق خلق الله بالخلافة بعد النبي؛ لأن هناك من أصحاب الأهواء من سلم بأفضلية أبي بكر ﵁، لكنه لم يسلم بأحقيته بالخلافة، وعلى هذا أكثر فرق الشيعة والرافضة، وبعض الزيدية، وبعض الخوارج، فإنهم نازعوا في تقديم أبي بكر في الخلافة، وإن اعترفوا بأفضليته الأفضلية المطلقة، لأنهم يرون أن الخلافة لا ينبغي أن تكون إلا لآل البيت، وهذه النزعة نزعة موروثة عن الفرس المجوس، الذين يرون أن الملك حكر على أسر معلومة.
والفرس كانوا يقدسون الساسانيين ملوك فارس، ويرون أن الملك فيهم ولا يخرج عنهم، حتى لو انقطع نسلهم من الرجال يبقى الملك في النساء وأبناء النساء، وهذه النزعة موجودة عند كثير من الأمم الضالة، وتوجد الآن عند بعض الأمم الأوروبية كالبريطانيين، وكانت في الفرس قديمًا، وانتقلت إلى الشيعة الرافضة، فهم يزعمون أن الإمامة وراثة تتفرع عن النبوة، وأنه ينبغي أن يلي الإمامة أحد الأئمة من ذرية النبي ﷺ، فلذلك حتى الذين ما طعنوا في أفضلية أبي بكر منهم كأوائل الشيعة والزيدية وبعض أهل الهوى شكوا في أفضليته أو تقديمه للإمامة، وقالوا إن الإمامة يجب أن تكون كذا وكذا، كل له شروطه.
واعتقاد أفضلية أبي بكر لم تعد في الرافضة الآن، بل انقلبوا اليوم إلى خصوم لـ أبي بكر وعمر يسبونهما، ويعتقدون ذلك دينًا يلقنونه أطفالهم وأعوانهم.
وأنا أعجب من الذين يشكون في كفر من يسبهما، أعني: أنهم قد طعنوا في أفضل أصحاب رسول الله ﷺ، وطعنوا في زوجاته وتكلموا في عرضه، فطعنوا في عائشة ﵂، بل طعنوا فيما جاء عن الصحابة من دين وروايات إلا نفرًا معدودين لا يزيدون عن سبعة، وبعضهم يجعلهم خمسة أو ثلاثة.
المهم أن هؤلاء المبتدعة الضلال لم يعودوا يعترفون بـ أبي بكر ولا عمر، بل يرون أنهما ارتدا، نسأل الله السلامة.
ثم ذكر إجماع الصحابة على تقديم أبي بكر مطلقًا، ثم على مبايعته بالخلافة على وجه الخصوص، وبين أن الله ﷿ لم يكن ليجمعهم على ضلالة، ولا يزال الإجماع بين أهل الحق على إمامة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.
قوله: (ثم من بعده عمر ﵁ بفضله وعهد أبي بكر إليه، ثم عثمان ﵁ لتقديم أهل الشورى له).
هذا فيما يتعلق بخلافة عمر ﵁، فإنه استحق الخلافة بأمور كثيرة، منها أنه الرجل الثاني في الأفضلية، ومنها أن أبا بكر ﵁ عهد إليه بالخلافة، ومنها أن أهل الشورى وهم الصحابة رضوا بخلافته وبايعوه، وهذا إجماع.
ثم عثمان ﵁ كذلك حقه في الخلافة حق مشروع؛ لأنه تمت له البيعة لاصطفائه من قبل عمر ﵁ من خلال الستة الذين اختارهم، ثم إن أهل الشورى الذين قدمهم عمر ثم قدمهم المسلمون وهم أفضل أصحاب رسول الله ﷺ في هذا الأمر، اتفقوا على عثمان، ثم أجمع الصحابة على خلافته بمبايعتهم له، حتى الذين تخلفوا عن مبايعته أول الأمر لحقوا فيما بعد بالجميع وتمت الخلافة له بالإجماع.
ثم علي ﵁ انعقدت خلافته بالإجماع، وقد أورد بعض الجهلة إشكالًا حول خلافة علي ﵁، وهو ما حصل من منازعة له من قبل معاوية ﵁ وأهل الشام وبعض الناس، وظنوا أن ذلك يعد اختلافًا على إمامته، وليس الأمر كذلك، بل كانت البيعة عندهم مشروطة فقط، بمعنى أنهم قالوا: نبايع وعلى العين والرأس والسمع والطاعة لكن بشرط أن يقتص من قتلة عثمان قبل البيعة.
إذًا: لم يكن أحد ينازع في بيعة علي ﵁، إنما كانت المنازعة في إجراء البيعة كيف تكون ومتى تكون فقط، ومع ذلك فقد انعقدت البيعة من أهل الشورى وأهل الحل والعقل القريبين منه في المدينة.
ثم قال: (وهؤلاء الخلفاء الراشدون المهديون الذين قال فيهم ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ».
وهذا أصل من الأصول الكبرى والعظمى في تقرير الدين وبيان مصادره، فإن الأمور التي سنها الخلفاء الراشدون في أحوال الأمة تعد سنة؛ لأن النبي ﷺ جعلها كذلك، فقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) فلذلك تميز عهد الخلفاء بأن كثيرًا مما وقع فيه باجتهاد هؤلاء الخلفاء الراشدين وأهل الشورى معهم، سواء ما كان حول التشريع والعمل به، أو حول الجهاد، أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الولايات والخلافة والإمامة، أو غير ذلك من مصالح الأمة ومناهجها في الدي
6 / 19