Sharḥ kitāb al-Ibāna min uṣūl al-diyāna
شرح كتاب الإبانة من أصول الديانة
Genres
محاسبة الرعية للولاة في عهد السلف
كان الواحد من سلفنا ﵃ إذا تولى ولاية يقوم آحاد الناس فيقول له: من أين لك هذا؟ وكيف لبست هذا الثوب؟ ومن أين لك المال الذي معك؟ وكان عامة الناس يحاسبون ولاتهم وأمراءهم وخلفاءهم على النقير والقطمير، وكانوا يعيشون في أمن وأمان؛ لأن الله تعالى هو الذي أمنهم، كما أنه هو الذي تولى تعيينهم برضا منه، وهو الذي بث في قلوب الخلق تبجيله واحترامه وتعظيمه، ولما قال عمر ﵁ وهو يخطب الناس على المنبر: أيها الناس! اسمعوا وأطيعوا، قام أعرابي وقال: لا سمع لك ولا طاعة، قال: ولماذا؟ قال: من أين لك هذا الثوب الذي تلبسه؟ وكان عمر يوزع أثوابًا قصارًا، أي: ما يكفي لتفصيل ثوب قصير، وكان عمر قد جمع إلى ثوبه -أي: إلى حظه من القماش- نصيب ولده عبد الله، فقال عمر: قم يا عبد الله! فبجل أباك، فقال: إني وهبت أبي حظي، فجعلهما ثوبًا واحدًا، فقال الأعرابي: الآن نسمع ونطيع.
ولو أن الأمة الآن بأسرها قالت لأحد ملوكها: من أين لك هذا؟ لما تورع هذا الحاكم عن إحراقها عن آخرها دون أن يعير هذا السؤال جوابًا.
وهذه ولاية إجبار.
فالطاعة في ولاية الإجبار لا لأحقية الوالي من جهة الشرع، وإنما مخافة الفتن الناجمة التي تشق وحدة المسلمين.
فالطاعة في الحالين واجبة إلا فيما حرمه الله ورسوله، لكنها تختلف في أن الطاعة في الأولى طاعة بحب ورضا، وفي الثانية مخافة الاستبداد وإراقة الدماء.
7 / 6