البحث الثالث:
قال جالينوس: من عادة أبقراط أن يسمي استفراغ الأخلاط المولدة لذات الجنب بالنفث نفثا واستنقاء ، ولذلك إذا أراد الإنسان أن يبزق فإنه يقال يستنقي، فصاحب ذات الجنب * متى (143) يخرج له مادة مرضه بالنفث * أي (144) بالاستنقاء في الرابع عشر من مرضه لأنه بحران الأمراض الحادة لأنك قد عرفت أن مادة هذا المرض صفراء محضة أو دم رقيق. والأول هو الأكثري فمتى لم ينقص المرض المذكور في المدة المذكورة، فذلك إما لغلظ المادة أو للعجز عن إخراج المادة بالاستنقاء. وإن كانت لطيفة في نفسها فإن الأمر يؤول في ذلك إلى التقيح وهو انفجار المدة إلى فضاء الصدر الذي بين الأضلاع والغشاء المحلل للرية. وذكر دفع المادة المذكورة PageVW1P133B إلى هذا الموضع دون باقي الجهات لأنه * الأكثري (145) . ويعرف الجانب المنصب إليه * المادة (146) بوجوه ثلاثة: أحدها بالخضخضة، وثانيها بوجود الثفل، وثالثها أن يوضع على الصدر خرقة مبلولة بماء ويعتبر جفاف جوانبها أيها أسرع هل اليمين أو اليسار فأيهما كان أسرع فالمادة في جهته.
البحث الرابع:
ذات الجنب يخصها من العلامات خمس حمى لازمة ووجع ناخس وضيق نفس PageVW5P200A وسعال ونبض * منشاري (147) فهذه الأعراض الخمسة مجموعها خاص بذات الجنب. أما الحمى فلمجاورة الورم للقلب وأما الوجع الناخس فلغشائية العضو. وأما ضيق النفس فلضغط الورم للرئة وللقلب. وأما السعال * أي (148) في الابتداء فيكون يابسا لدفع المؤذي * للمزاحمة (149) . وأما في آخره فيكون رطبا لإخراج المادة بالنفث ووجه خروج * هذه (150) المادة بالرشح من الغشاء ثم تشربها الرئة. وأما النبض * المنشاري (151) فلغشائية العضو وتمديد الورم للشظايا الليفية المتصلة بالشريان والحمى إذا قويت في ذات الجنب تواتر النفس، ويعرض من ذلك لزوجة النفث، فإن النفث يجف بسبب التوتر، ويعرض من لزوجة النفث شدة الألم وازدياد اللهيب ومن ازدياد اللهيب تواتر النفث ومن التواتر اللزوجة فلا يزالان يتعاونان على ذلك.
البحث الخامس:
ذات الجنب تشابه ذات الكبد أي ورمها * التحدبي (152) على الخصوص من وجوه أربعة: أحدها من جهة ضيق النفس بسبب مزاحمة التحديب لآلات التنفس، وثانيها من جهة السعال لذلك، وثالثها من جهة الحمى، ورابعها من جهة تمديد المعاليق واتصال الوجع بالترقوة. لكن الفرق بينهما من وجوه عشرة : أحدها أن النبض في ذات الجنب منشاري وفي ذات الكبد * موجي (153) ؛ وثانيها أن السعال في ذات الجنب في ابتدائها يابس وفي آخرها رطب وفي ذات الكبد دائما يابس؛ وثالثها أن الوجع في ذات الجنب ناخس وفي ذات الكبد ثقيل؛ ورابعها أن ذات الكبد يتغير فيها اللون والسخنة إلى الصفرة وفي ذات الجنب لم يتغير فيها * ذلك (154) ؛ وخامسها أن البول في ذات الجنب يكون قريبا من البول الطبيعي وفي ذات الكبد يكون غليظا أحمر؛ وسادسها البراز في ذات الجنب متحجر وفي ذات الكبد غسالي؛ وسابعها الوجع في ذات الجنب تارة يكون في الجانب الأيمن وتارة يكون في الجانب الأيسر وفي ذات الكبد دائما في الجانب الأيمن؛ وثامنها أن الورم في ذات الجنب خفي عن الحس وفي ذات الكبد * ظاهر (155) PageVW5P200B * للحس (156) ؛ وتاسعها أن ذات الجنب لا يكون معها فواق أصلا وفي ذات الكبد قد يكون معها فواق؛ وعاشرها أن الوجع في ذات الجنب مرتفع وفي ذات الكبد متخفض إلى أسفل. وذات الجنب تشابه ذات الرئة من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة ضيق النفس، وثانيها من جهة الحمى، وثالثها من جهة السعال. والفرق بينهما من وجوه ستة: أحدها أن النبض في ذات الجنب * منشاري (157) وفي ذات الرئة موجي؛ وثانيها أن ضيق النفس في ذات الجنب أقل مما هو في ذات الرئة؛ وثالثها أن الوجع في ذات الجنب ناخس وفي ذات الرئة ثقيل؛ ورابعها أن لون الوجنتين في ذات الجنب بحالها وفي ذات الرئة مائل إلى حمرة ظاهرة؛ وخاسمها أن الوجع في ذات الجنب مائل إلى جهة الأضلاع وفي ذات الرئة قريب من وسط الصدر؛ وسادسها أن السعال في ذات الجنب تارة يكون يابسا وتارة يكون * رطبا (158) . * وذات (159) * الجنب (160) تشابه البرسام من وجوه ثلاثة: أحدها من جهة الحمى، وثانيها من جهة الوجع الناخس، وثالثها من جهة اختلاط الذهن والهذيان. والفرق بيهما من وجوه ثلاثة: أحدها أن الحمى في ذات الجنب أقوى مما هي في البرسام، وثانيها أن اختلاط الذهن والعبث * والهذيان (161) في ذات الجنب أصعب مما هي في البرسام، وثالثها أن النبض في ذات الجنب صغير إلى التواتر وفي ذات البرسام عظيم إلى التفاوت.
البحث السادس
(162) : خروج النفث يتم بقوتين: أحدهما طبيعية، والأخرى نفسانية إرادية. أما الطبيعية فالهاضمة لنضج المادة وتهيئتها للخروج ثم الدافعة لإخراجها. وأما الإرادية * فليتم (163) الخروج فإن حركته بفعل القوة الطبيعية والنفسانية والمبدأ فيه الطبيعية والمتمم له النفسانية. وقد بسطنا القول في هذا المعنى في شرحنا لكليات القانون. وإذا كان النفث يتم * بهاتين (164) القوتين فيجب على الطبيب الحاذق أن يعتني * بها (165) في المعالجة ليخرج النفث على واجبه وينقضي مدة * المرض (166) . ولأجل هذا صرنا نستدل بأحوال النفث على أحوال هاتين القوتين. فنقول: النفث يدل PageVW5P201A بلونه وبقوامه وبمقداره وبطعمه وبرائحته وبشكله. أما بلونه فأجوده الأبيض الساطع لا لبلغم مستول * وأردؤه (167) الأسود لا سيما المنتن لدلالته على شدة الاحتراق ثم الأخضر ثم الأصفر ثم الأحمر ثم الأبيض اللزج المستدير الشكل. وأما قوامه فأفضله المعتدل في ذلك المتشابه الأجزاء لدلالته على استيلاء القوة على جميع أجزائه. ومن هذا يعلم أن الرقيق * والغليظ (168) رديئان. وأما مقداره فأجود المتوفر المقدار لدلالته على قوة القوة ودفعها لمادة المرض بالكلية. ومن هذا يفهم أن القليل يدل على ضعف القوة. وأما طعمه فأفضله النقه الطعم المائل إلى حلاوة يسيرة وأردؤه * المر (169) ثم الحلو * ثم (170) الخالص التفاهة. وأما رائحته فأجوده ذو الرائحة الغير منتنة فإن النتن دليل على شدة العفن والعديم الرائحة يدل على تمكن البرد. وأما شكله فأجوده المتصل الأجزاء لما ذكرنا من تشابه النضج وأردؤه المستدير الشكل لدلالته على قوة البرد المجمد لأجزائه أو على حر محرق مفن لرطوباته فأوجب له الاستدارة.
البحث السابع
في علامة السليم من ذات الجنب والرديء منه: أما علامة السليم فهي سهولة النفث وسرعة النضج وقلة الوجع واعتدال النوم وسهولة التنفس واستقلال العليل بعلته واستواء الحرارة في البدن مع قلة العطش والكرب واللهيب، ويكون العرق والبول والبراز قريبا من حالها في الوقت الضحى، فإن ظهر رعاف في أول المرض كان من أقوى العلامات على السلامة، وما قابل ذلك فهو علامة رديئةز والله أعلم.
Unknown page