67

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

Genres

صور العبودية العملية التي ينبغي أن تكون في أعمال الناس وأقوالهم قال رحمه الله تعالى: [وكان رسول الله ﷺ يحقق عبوديته؛ لئلا تقع الأمة فيما وقعت فيه النصارى في المسيح من دعوى الألوهية]. سيذكر الشيخ صورًا أربعًا من الصور العملية للعبودية التي يغفل عنها كثير من الناس، ويظنونها من باب الأحكام أو أنها من باب المنهيات أو نحو ذلك، في حين أنها من أعظم صور العبودية التي ينبغي أن تكون في أعمال الناس وفي أقوالهم، سواء كانت قولية أو فعلية. قال ﵀: [حتى قال له رجل: (ما شاء الله وشئت، فقال: أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده). وقال أيضًا لأصحابه: (لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، بل قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد). وقال: (لا تتخذوا قبري عيدًا وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني). وقال: (اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وقال: (إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك)]. الصورة الأولى: قوله: (ما شاء الله)، ثم ذكر تبعًا لذلك صورًا من صور الإخلال بجوانب العبودية، وهو قوله: (وشئت)، فـ: (ما شاء الله) تحقيق للعبودية لله ﷿، وعطف مشيئة النبي ﷺ أو غيره على مشيئة الله تعتبر نوعًا من الإخلال بالعبودية؛ لأنه هنا لا مشيئة مع مشيئة الله ﷿، ولأن العطف يقتضي المساواة، ولذلك ينبغي أن يقال: ما شاء الله وحده؛ لأن المشيئة لا عطف فيها. الصورة الثانية: قوله: (ما شاء الله وشاء محمد)، فقد نهى النبي ﷺ عن ذلك، وهو قول، لكن القول لا ينبع إلا عن اعتقاد، ولذلك صحح النبي ﷺ هذا القول، وهو تصحيح للاعتقاد والقول. الصورة الثالثة: متمثلة في قول النبي ﷺ: (لا تتخذوا قبري عيدًا وصلوا عليّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني). فهذا نوع من تحقيق العبودية لله ﷿، والإخلال به إخلال بالعبودية، وعلى هذا فلا يجوز اتخاذ قبر النبي ﷺ عيدًا، يعني: مكانًا للتقديس؛ لأن النبي ﷺ بعد وفاته لم يعد له تصريف أو تدبير أو نفع مباشر للبشر، وإنما نفعه ﷺ كان في حياته، واتخاذ قبره عيدًا هو نوع من البدعة التي تؤدي إلى تعظيمه وتقديسه فيما لا يجوز إلا لله ﷿، وحتمًا سيؤدي عند الجهلة إلى دعائه من دون الله ﷿، وممارسة الأعمال التي تخل بتوحيد الإلهية أو تنقيص الربوبية. وقوله ﷺ: (اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)؛ لأنهم في بنائهم للمساجد على القبور قد فتحوا ذريعة لتقديس القبور، ودعاء أهلها من دون الله ﷿، والتوجه إليها بالصلاة وغير ذلك، وقد وقع ما حذّر منه النبي ﷺ من أولئك القوم المبتدعة الذين بنوا وشيدوا المساجد على القبور، لذا فأهل البدع معلوم أنهم ما فعلوا ذلك إلا لأن قلوبهم قد مرضت بالبدع، حتى إن عامة الناس الذين ابتليت بلادهم بوجود المساجد على القبور ظنوا أن لصاحب القبر من القدرة ومن الأحوال التي يتصرف فيها ما لم يكن قبل ذلك، وظنوا أن لصاحب القبر اعتبارًا، بل وظن بعضهم أن ذلك يعني: التوجه إليه في الصلاة، وظن آخرون أن ذلك يعني الدعاء عنده أو عند قبره، وآخرون دعوا المقبور أو المدفون من دون الله ﷿، واستعانوا واستغاثوا به من دون الله، فوقع الشرك والبدعة من خلال ذلك، فهذا إما مناف لتوحيد الألوهية كالشركيات، أو ينقص توحيد الإلهية كالبدع والتبرك وغير ذلك، والمساجد إنما هي بيوت الله للعبادة، وهي محترمة ومعظّمة، فإذا وجد القبر في المسجد فلا يعني ذلك إلا التوجه إلى صاحب القبر بشيء من هذه الأمور الشركية أو البدعية، وهذا كما تعلمون منقص لتوحيد الله.

6 / 7