66

Sharh Bab Tawhid Al-Uloohiyah min Fatawa Ibn Taymiyyah

شرح باب توحيد الألوهية من فتاوى ابن تيمية

Genres

نعت الله لرسوله ﷺ بالعبودية في أرفع مقاماته قال رحمه الله تعالى: [كما يرى في أحوال منحرفة أهل العلم من تحريف الكلم عن مواضعه، وقسوة القلوب، والبخل بالعلم، والكبر، وأمر الناس بالبر ونسيان أنفسهم وغير ذلك. وكما يرى في منحرفة أهل العبادة والأحوال من الغلو في الأنبياء والصالحين، والابتداع في العبادات، من الرهبانية والصور والأصوات. ولهذا قال النبي ﷺ (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) ولهذا حقق الله له نعت العبودية في أرفع مقاماته حيث قال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا﴾ [الإسراء:١]]. هذا فيه تقرير بأن العبودية هي أعلى المقامات التي يمكن أن يصل إليها البشر، بعكس ما يتوهمه كثير من أهل التصوف والفلسفة، وأيضًا كثير من الجهلة الذين يتوهمون أن التعبد لله ﷿ فيه نوع من القيود والاستذلال للبشر، بل الأمر بعكس ذلك؛ لأن التذلل لله ﷿ بالعبودية هي الكمال الذي يطمع إليه البشر، ولذلك وصف الله رسوله ﷺ بالعبودية في أعلى المقامات، وذلك عندما أسرى به إلى بيت المقدس، ووصفه بها عند المقام المحمود الذي وعده الله به يوم القيامة، ووصفه بها في مقام الوحي، ووصفه بها في مقام الصلاة والقيام لله ﷿ بالعبادة. إذًا: فالعبودية لله هي أعلى مقام يسعى إليه البشر، وأعلى مقام يمكن أن يصل إليه بشر؛ لأن ذلك يعني الاستجابة لله ﷿ وتحقيق رضاه. قال رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [النجم:١٠]. وقال تعالى: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ [الجن:١٩]، ولهذا يشرع في التشهد وفي سائر الخطب المشروعة، كخطب الجمع والأعياد، وخطب الحاجات عند النكاح وغيره أن نقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله]. الشاهد هنا: الشهادة للنبي ﷺ بالعبودية، وأنها من أعظم ما يمكن أن يحتسبه المسلم عند الله ﷿؛ ولهذا شرع في التشهد وغيره أن يقول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فالشهادة لرسوله ﷺ بالعبودية تعتبر من أعظم ما يحتسبه المسلم ويدين الله به؛ لأن ذلك أعلى المقامات للبشر.

6 / 6