وأخذت كاتي تعاني ما يعانيه جوني من شدائد، وكانت أصغر منه بسنتين، في التاسعة عشرة من عمرها، ومن الممكن أن يقال إن مصيرها إلى الهلاك أيضا، فقد امتلأت حياتها وفاضت قبل أن تمارس البداية، ولكن وجه الشبه بينها وبين جوني انتهى عند هذا الحد، فجوني يعلم أنه يصير إلى الهلاك ويتقبل هذا المصير، لكن كاتي لم تكن لتتقبله، وراحت تبدأ صفحة جديدة من حياتها حيث تودع الصفحة القديمة.
واستبدلت كاتي بالحنان القدرة، واستعاضت عن أحلامها بالحقائق المرة تزنها بميزانها الصحيح.
وانطوت نفس كاتي على رغبة عارمة في سبيل البقاء، فغرس ذلك فيها نزعة الجهاد، أما جوني فقد راوده هوى للخلود جعل منه رجلا حالما عديم النفع، وكان ذلك هو الفارق العظيم بين هذين الاثنين، اللذين أحب كل منهما الآخر حبا جما.
11
واحتفل جوني بعيد ميلاده الذي بلغ به سن الانتخاب بأن شرب الخمر ثلاثة أيام متتالية، وحبسته كاتي حين بدأ يفيق في حجرة النوم حتى لا يستطيع الحصول على مزيد من الشراب، وبدأ جوني يهذي ويرتعش بدلا من أن يتنبه ويفيق، وراح يبكي ويستعطف مرة بعد مرة طلبا للشراب، قائلا إنه يشقى، وقالت له كاتي: إن من الخير له أن يشقى؛ لأن الشقاء يجعله صلب العود ويلقنه درسا يثنيه عن الشراب، ولكن جوني المسكين لم يكن خليقا بأن يصلب عوده، وإنما رق حتى انقلب إلى شبح أنثى تولول وتنوح كالثكلى.
وأخذ الجيران يقرعون الباب راجين كاتي أن تفعل شيئا من أجل الرجل المسكين، وبدا على فم كاتي برود ممزوج بالقسوة، وصاحت فيهم أن ينصرفوا إلى شئونهم، ولكنها كانت تعلم أن لا سبيل لهم إلا أن يهجروا مسكنهم في نهاية الشهر، إنهم لن يستطيعوا العيش في هذا الجوار بعد أن بدأ جوني يزري بهم على ذلك النحو.
وفقدت كاتي أعصابها قرب المساء وهي تستمع إلى صيحات العذاب والألم التي تنبعث من جوني، فحشرت طفليها في العربة الصغيرة ، وانطلقت إلى المصنع حيث طلبت من رئيس سيسي الذي طال احتماله وعيل صبره، أن ينتزعها من خلف آلتها، وحدثت سيسي عن جوني، وقالت سيسي إنها ستوافيه وترده إلى صوابه، فور انتهائها من العمل.
واستشارت سيسي صديقا مهذبا في شأن جوني، وزودها الصديق بتعليماته، فامتثلت لذلك واشترت قدرا من الويسكي الجيد خبأته بين ثدييها الممتلئتين، وأعادت ربط غطاء مشدها وزررت رداءها فوقه.
وذهبت إلى كاتي وأخبرتها بأنها تستطيع أن تنقذ جوني من محنته، لو أنها تركتهما وحدهما، وأغلقت كاتي باب حجرة النوم دون سيسي وجوني، وعادت إلى المطبخ وقضت الليل جالسة على المائدة، ألقت رأسها على ذراعيها وراحت تنتظر.
ولما رأى جوني سيسي عاد إليه عقله المضطرب المشوش لحظة، وشدها من ذراعيها قائلا: أنت صديقتي يا سيسي، أنت أختي؛ بربك أعطيني كأسا من الشراب، وقالت في صوتها الرقيق المواسي: رويدك يا جوني، إنني أحضرت لك معي كأسا هنا.
Unknown page