134

فانحني فلوتشين قليلا وقال إيفانوف وكان ثملا فأزعج سارودين: يجب أن تدون هذا! - «تفضل واجلس يا فلوتشين. أتشرب نبيذا أم جعة؟»

فجلس فلوتشين ببطء وحذر على كرسي ذي ذراعين، فظهر نصوع ثوبه إلى جانب الغطاء القذر وقال ببرود ودارت عينه في الحضور: «أرجوك لا تتعب نفسك إنما جئت لأراك هنيهة.»

فسأله سارودين: «كيف تقول هذا؟ سأطلب لك نبيذا أبيض. فإنك تحبة أليس كذلك؟»

وأسرع فخرج وهو يقول لنفسه: «لماذا شاء هذا الأحمق أن يأتي إلي اليوم؟ إنه سيروي عني في بطرسبرج ما يجعل من المستحيل علي أن تطأ رجلي عتبة بيت محترم فيها.» وبعث خادمه ليشتري النبيذ.

وفي خلال ذلك كان فلوتشين ينقد الحاضرين نقدا صريحا وينظر إليهم نظر الموقن أنهم دونه بمراحل. ويقلب فيهم عينه الزجاجية تقليب من يعرض مجموعة من الوحوش، ووقع من نفسه على وجه الخصوص قامة سانين ووثاقة تركيبه وثيابه فقال لنفسه: «هذا نوع ممتع! ولا بد أن يكون قويا!»

وبه إعجاب الضعيف الخوار للقوي الباطش. والواقع أنه ما عتم أنه انطلق يكلم سانين، غير أن سانين كان متكئا على حافة النافذة ينظر إلى الحديقة، فكف فلوتشين عن الكلام وغاظه حتى صوته وحدث نفسه أن هؤلاء ليسوا إلا حثالة الخلق.

وعاد سارودين في هذه اللحظة وجلس بجانبه، وجعل يسأله عن بطرسبرج وعن مصنعه ليفهم الحاضرين أن زائره رجل ثري خطير الشأن، وبدت على وجهه الوسيم دلائل الزهو والغرور الحقير فأجابه فلوتشين بلهجة السأمان: «كل شيء هناك كما كان! وكيف حالك أنت؟»

فقال ساردين وأخرج زفرة: «إني أعيش عيشة النبات.»

فصمت فلوتشين ورفع طرفه بازدراء إلى السقف حيث كانت تلتمع الأضواء المنعكسة عن الحديقة.

وعاد سارودين إلى الكلام: «إن سلوتنا الوحيدة هي هذا.» وأشار إلى الورق والزجاجات والضيوف.

Unknown page