فصاح بهما سارودين وألقى ورقه: «ويحكم ما معنى هذا كله؟»
وفي هذه اللحظة ظهر قادم جديد في مدخل الغرفة، فخجل سارودين لانفجار مرجل غضبه وانطلاق لسانه بعبارات العامة، ولوجود هؤلاء الضيوف المخمورين الصاخبين، ولأوراق اللعب وزجاجات الخمر وخيل إليه أن غرفته قد صار لها منظر الخمارة.
وكان القادم رجلا نحيفا طويلا في بذلة بيضاء فضفاضة وأنيقة، غالية فوقف على العتبة مذهولا وجعل يتأمل الحضور باحثا عن سارودين بينهم.
فصاح سارودين وتقدم لتحيته ووجهه كالجمر من الغيظ: «أهلا بك يا بافل لفوفتش! ماذا جاء بك؟»
ودخل القادم بهيئة المتردد وصارت كل العيون قيد حذائيه الأبيضين الناصعين، وهو يخطو بهما على حذر بين زجاجات الجعة وسداداتها وأعقاب السجاير، وكان من البياض والنظافة والتعطر وحسن الهندام بحيث صار بين سحب الدخان المعقود في جو الغرفة ومرسليها السكارى أشبه شيء بالزنبقة في المستنقع لولا خوره وذبوله، ولولا أن قسمات وجهه ضعيفة وأسنانه البادية تحت شاربيه الخفيفين الأحمرين متداعية.
فقال سارودين: ومن أين جئت؟ أغبت طويلا عن بتجر؟
1
ثم أدركه الخوف من أن تكون بتجر لفظة لا يجمل بمثله استعمالها.
فقال الرجل ذو الثوب الأبيض بلهجة باتة، وإن كان صوته كصياح الديك المكتوم: «جئت أمس فقط.»
فقال سارودين وقدمه إلى الحاضرين: «هذا هو المستر بافل لفوفتش فلوتشين.»
Unknown page