Sakb al-adab ʿalā Lāmiyyat al-ʿArab
سكب الأدب على لامية العرب
قال تعالى {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون} (3)، الإيحاء إلى النحل إلهامها، والقذف في روعها، وتعليمها على وجه هو أعلم به، لا سبيل لأحد على الوقوف عليه، إذ في إجادتها في صفتها وبناء بيوتها بالأشكال المسدسة التي يعجز عنها الماهر بالهندسة في صنعتها، ولطفها في تدبر أمرها وإصابتها فيما يصلحها، دلائل بينة شاهدة على أن الله تعالى [93و] أودعها علما بذلك، وفطنها، كما أولى أهل العقول عقولهم، وقد قرأ يحيى بن وثاب (4): { ... إلى النحل ... } (5) بفتحتين، وهو مذكر كالنحل، وتأنيثه على المعنى، و{أن اتخذي} أن هنا المفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول، {بيوتا} بضم الباء جمع بيت بفتحها، وقرأ بكسر الباء (6) و{يعرشون} بكسر الراء وضمها (7) في كل شجر، وكل ما يعرش، ولا في كل مكان ، {ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون} (1)، {من كل الثمرات} إحاطة بالثمرات التي تجرسها النحل، وتعتاد أكلها، أي: ابني البيوت ثم كلي من كل ثمرة تشتهينها فإذا أكلتها {فاسلكي سبل ربك} أي: الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو فأسلكي ما أكلت في سبل ربك، أي: في مسالكه التي يحيل فيها بقدرته النور المر عسلا من أجوافك، ومنافذ مآكلك، أو (2) إذا أكلت الثمار في المواضع البعيدة من بيوتك، فأسلكي الى بيوتك راجعة سبل ربك، ولا تتوعر عليك، ولا تضلين فيها، فقد بلغني أنها ربما أجدب عليها ما حولها، فتسافر الى البلد البعيد في طلب النجعة (3) [93ظ] أو أراد بقوله {ثم كلي} ثم اقصدي أكل الثمرات فاسلكي في طلبها في مظانها سبل ربك {ذللا} جمع ذلول، وهي حال من السبل، لان الله ذللها ووطأها وسهلها، كقوله ... {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} (4) أو من الضمير في {فاسلكي} أي: وأنت منقادة [لما أمر تابعة غير ممتنعة] (5)، {شراب} يريد العسل، لأنه مما يشرب، {مختلف ألوانه} منه أبيض، وأصفر، وأحمر، وأسود، {فيه شفاء للناس} لأنه من جملة الاشفية والأدوية المشهورة النافعة، وقل معجون من المعاجين لم يذكر الأطباء فيه العسل، وليس الغرض انه شفاء لكل مريض، كما أن كل دواء كذلك، وتنكيره: إما لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لان فيه بعض الشفاء، وكلاهما متحمل (6))).
((وعن النبي (- صلى الله عليه وسلم -) أن رجلا جاء إليه، فقال: إن أخي يشتكي بطنه، فقال: أسقه العسل، فذهب، ثم رجع، فقال: قد سقيته فما نفع، فقال: اذهب واسقه عسلا، فقد صدق الله، وكذب بطن أخيك، فسقاه فشفاه الله، فبرئ كأنما نشط من عقال بعير (7))).
Page 278