CHECK [القسم الثاني: القسم المحقق]
[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أدب من اختاره بأدبه (1)،ووفق للحسنى من أراد سعادته في عادته ودأبه, وشرح صدر من انقاد لأوامره بموسى الحكمة، وميز من تخلق بطاعته بالإجلال بين أفذاذ الأمة، وأشهد أن لا اله إلا الله الواحد في ذاته، المنزه عن الشبيه والنظير في أسمائه وصفاته وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المنزل عليه قرآن في أعلى درجات الفصاحة، المعجز من تحدى بآية منه لذوي البلاغة والرجاحة، المبين لنا من الشريعة رمزا أو سرا، القائل: ((إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا)) (2)، أفصح من نطق بالضاد (3)، وأصدق من تكلم لإرشاد العباد، (- صلى الله عليه وسلم -) وشرف وكرم، ما لهجت العرب بكذا وكيت، وما فاهت بقصيدة أو بيت، وعلى آله وأصحابه الذين فازوا من الفصاحة بالقدح المعلى (4)، وحازوا من مكارم الأخلاق ما هو الأجدى والأولى، أما بعد:
Page 86
فيقول أضعف أفراد الإنسان، وأحوجهم إلى لطف الكريم المنان، الفقير سليمان ابن الأكرم الأمجد عبدا لله بك ابن المرحوم شاوي بك العبيدي الحميري: لما كانت القصيدة الموسومة بلامية العرب للشنفرى خالد بن ثابت الأزدي (5) من غرر القصائد (1و) على الاطلاق، وأهداها إلى طريقة الكرماء بالاتفاق، وكيف لا؟! وقد قال سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -: "علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلمهم مكارم الأخلاق (6) لهج بها أهل الأدب، وجنح إلى حفظها من له محبة بآثار العرب. وقد كانت محتاجة إلى شرح يبين مغازيها ويوضح معانيها، ويبين رموز فوائدها، ويكشف عن وجوه خرا ئدها (7)،ويرفع عنها حجب الدقة والإغلاق، ويفتح لطالبيها من معاقل مبانيها الأبواب والأغلاق، وقد كان يخطر بالبال الفاتر، ويجول في الفكر القاصر، أني أشرحها شرحا يذلل صعابها، ويفتح للطالبين أبوابها، ثم أحجم عن ذلك لعلمي أن بضاعتي مزجاة (1) كاسدة، وأن صناعتي لا تقوم بأعباء هذه الفائدة، حتى اجتمعت ذات يوم من أيام البطالة مع شيخي الكبير الشهير، العالم العلامة النحرير، شيح العراق بالاتفاق، وملجأ أهل الخلاف والوفاق، الشيخ عبد الرحمن ابن الشيخ عبدالله الشهير بالسويدي (2)، فتحاسينا معه كؤؤس الأدب (3)،حتى انجر معه البحث إلى لامية العرب، فأمرني بشرحها، وأمره واجب الامتثال، ولاسيما وقد (4) وافق ما كان يتردد بين فكري والخيال، فجاء بعون الله شرحا لم ينسج على منواله، ولم يستطع المتحدي أن يحذو على مثاله (1ظ) مع انه أول ما سبكته في بيادق (5) التأليف، وأفرغته في قوالب الترصيف، وسميته:"سكب الأدب على لامية العرب". والله أسأل أن يروي بريه قوما عطاشا لورد زلاله، ويزيد أرواحهم انتعاشا بمطالعة مثاله، وهانا أشرع بالمقصود، مستعينا بالرب المعبود، فأقول: قال الشنفرى: [من الطويل]
1 - أقيموا بني أمي صدور مطيكم ... فإني إلى قوم سواكم لأميل
اللغة:
أقيموا: مأخوذ من الإقامة ضد الاعوجاج كما هو ظاهر البيت.
صدور: جمع صدر، وهو أعلى مقدم كل شيء، وكل ما واجهك (و) من السهم والقناة من وسطه إلى مستدقه لأنه المقدم إذا رمي به (6).وهو مذكر (7) أما تأنيثه في ما ورد في بيت الأعشى (8): [من الطويل] كما شرقت صدر القناة من الدم (9)
،فانه لإضافته إلى المؤنث، وأظن لا تخفى عليك هذه القاعدة.
Page 87
المطي: بفتح الميم والطاء المهملة جمع مطية، الدابة، سميت بذلك لأنها تمطو في سيرها، أي تمد، ويجوز تذكيرها وتأنيثها (1).
القوم: كرهط لا واحد له من لفظه، وقد قيل: انه موضوع للنساء والرجال، والأصح أنه للرجال فقط (2) بدليل قوله تعالى: {لا يسخر قوم من قوم ... } إلى آخر الآية (3)،وقول الشاعر (4): [من الطويل] أقوم آل حصن أم نساء (5).
وسوى: كغير، وفيها لغات: سوى كرضى، وسوى كهدى، وسواء كبناء (6).
أميل: (2و) قيل: أفعل بمعنى فاعل أي عادل، إذ الميل بمعنى العدول (7)،ويجوز أن يكون باقيا على بابه (8).
الإعراب:
أقيموا: فعل أمر مبني على حذف النون، والواو ضمير الفاعل.
وبني: منادى حذف منه حرف النداء، وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع التصحيح وحذفت نونه لأنه مضاف، ويجوز نصبه على الاختصاص، وهو عندنا كما قال ابن مالك (9): [من الرجز]
الاختصاص كنداء دون يا ... كأيها الفتى بإثر ارجونيا (10)
مضاف إلى أمي، وهي مضافة إلى الياء ، وعلامة الجر كسرة مقدرة على ما قبل الياء لأن الياء تستدعي انكسار ما قبلها، فقدرت كسرة الإعراب لئلا يلزم اجتماع كسرتين.
Page 88
صدور: مفعوله، مضاف إلى مطي الذي هو مضاف إلى ضمير المخاطبين الذي هو الكاف، وهو كمطلق الضمير من الوضع للموضع له الخاص، والقرينة فيه الخطاب.
فاني: الفاء للتعليل، وان من الحروف الناسخة لحكم المبتدأ والخبر، تنصب (الأول) على أنه اسمها، وترفع الثاني على أنه خبرها.
إلى قوم: جار ومجرور متعلق بخبر إن الآتي.
سواكم: بدل من قوم، ويصح جعله أن يكون صفة (1)،ولا يضر إضافتها إلى ضمير المخاطبين لأن هذه الإضافة لا تفيدها تعريفا كغير، لشدة إبهامها، ما لم تقع بين معرفتين متضادتين، كقولك: عجبت من الحركة غير السكون. وهي عند سيبويه (2) ظرف لا يتصرف (3)،والأصح في خلافه، حيث ورد (2ظ) في كلام العرب، كقول الشاعر (4): [من الكامل]
وإذا تباع كريمة أو تشترى ... فسواك بائعها وأنت المشتري (5)
لأميل: هذه اللام تسمى اللام المزحلقة (6) بالقاف والفاء، زحلقت من إن إلى خبرها، خشية اجتماع أداتي تأكيد، لأن (إن) للتأكيد واللام أيضا، وتسمى المؤكدة، وأميل خبر إن.
المعنى:
Page 89
بادروا باذوي الأرحام إلى الرحيل والسفر، وكونوا بعد اليوم من الأعداء على حذر، فانه لا يطمئن لكم بعدي بال، ولا تدرك لكم الآمال، وقد كنت بينكم، سيفكم القاطع، والدرع المانع، حميت لكم الذمار، وأكسبتكم الافتخار، وأظن حين نأت بيني وبينكم الدار، وتسمع أعداؤكم ماكان من بعد المزار، يقلبون إليكم أحداق الأخذ والانتهاب ويعظم لفقدي عندكم المصاب، وأما أنا فلست بعد اليوم معكم بالمقيم، واخترت التوحش عنكم وإني به عن الحادثات سليم، ورغبت في الميل إلى غيركم من الأقوام، ولذ لي التغرب في الوغال والآجام، لما شاهدت من عدم مراعاة صلة الرحم وانغماسكم في الجفوة والغلظة والهظم، وما هذا شان يرتاح له اللبيب، وصدوره مني لهو العجب العجيب (1)،واني كما قال بشار بن برد (2): [من المتقارب]
إذا ما قلتني بلدة أو قليتها ... خرجت مع البازي علي سواد (3) ... (3و)
مع أنها مع ذوي القربى أحق بالفراق ، وموجبة لبعد التلاق، قال ابن مقرب (4):
[من الطويل]
خليلي عن دار الهوان فقوضا ... خيامي وزما لارتحال النجائب (5)
وله أيضا: (6) ... [من الطويل]
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند
شعرا (7): [من البسيط]
شرق وغرب تجد من غادر بدلا فالأرض من تربة والناس من رجل
قال أبو الطيب (8): [من المنسرح]
Page 90