Sahyuniyya Calamiyya
الصهيونية العالمية
Genres
وترجمة هذا الوعد «أن حكومة جلالته تنظر مع الموافقة إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي بفلسطين، وستبذل أفضل مساعيها لتيسير الوصول إلى هذا المطلب، مع العلم بأنه لن يعمل شيء يمس الحقوق المدنية أو الدينية للطوائف التي تسكن فلسطين الآن من غير اليهود، أو يمس الوضع السياسي المخول لليهود في أي بلد آخر».
ويخيل إلى بعضهم من اليهود ومن العرب أن هذا الوعد منتزع أو مغصوب بحكم الضرورات الحربية، ولكنه في الواقع جزء من سياسة عامة تتناول الشرق الأدنى برمته ومنه فلسطين وسائر البلاد العربية، فهذا الوعد هو الجزء المقابل لوعود أخرى بذلت للأمراء في بلاد العرب التي خرجت من حكم الدولة العثمانية. ومن سخرية القدر أن نرجع اليوم إلى أقوال زعماء اليهود بعد استقرار الانتداب البريطاني على فلسطين نحو عشر سنين، فقد كان اللورد ملشت الصهيوني الإنجليزي يقول في سنة 1936: «إن إقامة ثلاثة ملايين من اليهود في فلسطين سوف يقضي إلى الأبد على احتمال نجاح الثورة التي تهب على دولة الانتداب ...» وكان بن غريون رئيس الوكالة اليهودية يقول: «من خان بريطانيا العظمى فقد خان الصهيونية.»
وكان غيره يصرحون بأمثال هذه التصريحات ولا يقتصدون فيها. ولو اطلع أحد على الغيب في تلك الآونة لقال مع أبي العلاء: «وتقدرون فتضحك الأقدار ...»
ومن الواجب على الدوام تذكر المناورات السياسية التي أدت إلى قيام الوطن القومي في فلسطين، فكل ما كان وليدا لهذه المناورات قد يموت بها في يوم من الأيام، ولا سيما وليد التلفيق، أو وليد المفاجآت.
إن الواقع المحقق في مسألة الصهيونية أن اليهود يستغلون الدول، والدول تستغلهم، وهذا الواقع المحقق وحده هو الذي يقرر لنا أن العامل المهم في بقاء الصهيونية بفلسطين يتوقف على إرادة الأمم العربية في نهاية المطاف، فلن تدوم الصهيونية في الشرق الأدنى إذا عملت أمم العرب على أن تموت ولا تدوم.
وقد تكون الشعوب بمأمن من تقلبات السياسة لو أنها نشأت نشأة طبيعية على أساس قويم، أما أن تكون تقلبات السياسة هي مادة وجودها ومادة بقائها، فهي حالة لم تعرف لها سابقة في التاريخ.
عالجت بريطانيا مشكلة الانتداب فلم يسلس مقادها في يديها بعد عشرين سنة من وعد بلفور، فقسمت فلسطين شطرين بينهما شقة مستقلة في الناصرة وبيت المقدس، وأبى العرب واليهود هذا التقسيم، فاقترح العرب حكومة وطنية تراعى فيها مصالح الأقلية، واقترح اليهود حكومة يهودية تعيش فيها الأكثرية عالة على اليهود مع فتح أبواب الهجرة لهؤلاء بغير قيود ولا حدود، ثم مضت سنتان وأعلنت دولة الانتداب قيام الحكومة اليهودية على أن تصبح فلسطين بعد عشر سنين حكومة اتحادية، وسمحت بدخول خمسة وسبعين ألفا من المهاجرين اليهود خلال السنوات الخمس الأولى بعد سنة 1939، فكانت لجنة الوصاية بعصبة الأمم أول المعترضين على هذا الحل، واضطرمت نيران الحرب العالمية الثانية دون أن ينقض أو يوقف عن التنفيذ.
ثم تأسست الجامعة العربية في أعقاب الحرب العالمية، وتكرر العدوان في أواخر تلك الحرب من عصابات الإرهاب الصهيونية، وأشهرها عصابة أرجون وعصابة شتيرن، وعرضت حكومة العمال الإنجليزية مسألة فلسطين ومسألة الانتداب على هيئة الأمم المتحدة سنة 1947، فأحيلت هذه المسألة كلها إلى لجنة من لجان الهيئة، وعادت اللجنة إلى خطة التقسيم مقترحة أن تقسم البلاد إلى حكومتين مستقلتين في غير الشئون الاقتصادية، وأن يوضع بيت المقدس تحت الوصاية الدولية.
وماذا كان هذا الاستقلال في غير الشئون الاقتصادية يعني بالنسبة إلى العرب وإلى الصهيونية؟
إن ربع قرن مضى في تشجيع اليهود على الهجرة والاستعمار وتنظيم الشركات لم يبق للعرب بقية من الاستقلال في شئون الاقتصاد، فإذا استقل العرب وسلموا زمام الاقتصاد إلى الحكومة العامة فمعنى ذلك أنهم يسكنون في حجرات بيت خلا من حجرة الطعام، وسلم مفتاحها ومطبخها إلى الساكن الآخر يعطي منه ما يعطي ويمنع ما يمنع كما يشاء.
Unknown page