Ṣafwat al-ikhtiyār fī uṣūl al-fiqh
صفوة الاختيار في أصول الفقه
Genres
مسألة:[الكلام في هل كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
متعبدا بالإجتهاد أم لا؟]
اختلف أهل العلم في النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل كان متعبدا بالإجتهاد أم لا؟
فمنهم من قال: لم يكن متعبدا بذلك في شيء من الشرعيات وهو قول أبي علي وأبي هاشم وأبي عبدالله، وهو الذي نختاره.
وحكى شيخنا رحمه الله تعالى عن أبي يوسف أنه قال: كان عليه وآله السلام متعبدا بذلك وتأوله الشيخ أبو علي على الحروب وأحكام الدنيا، وهو اختيار القاضي في بعض المواضع.
وجوز الشافعي في رسالته أن يكون في الأحكام الشرعيات ما قاله عليه وآله السلام اجتهادا.
وجوز قاضي القضاة ذلك في مواضع ولم يقطع عليه، وإليه ذهب الشيخ أبو الحسين البصري، وكان شيخنا رحمه الله تعالى يعتمده، ويحتج له بأنه لا دلالة في العقل ولا في الشرع توجب القطع على أنه تعبد، ولا على أنه عليه السلام لم يتعبد بذلك فيجب التوقف، إذ لا يجوز القطع بغير دلالة واختيارنا هو المذهب الأول.
والذي يدل على صحته: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو تعبد بالإجتهاد في شيء من الشرعيات لجازت مراجعته فيه ومعلوم أن مراجعته في الشرعيات لا تجوز، فثبت أنه لم يتعبد بالإجتهاد في شيء منها.
أما أنه لو تعبد بالإجتهاد في شيء من الشرعيات لجازت مراجعته؛ فلأن ذلك حكم كل مجتهد، وهو عليه وآله السلام وغيره في ذلك سواء، ولأنه قد تقرر جواز مراجعته فيما صح تعبده بالإجتهاد فيه كآراء الحروب وأمور الدنيا من دفع المضار وجلب المنافع.
وأما أن مراجعته في الشرعيات لا تجوز؛ فذلك معلوم لنا من دين المسلمين كافة أن أمرهم معه عليه وآله السلام في الشرعيات مبني على القبول والتسليم من غير منازعة، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وما ينطق عن الهوى(3)إن هو إلا وحي يوحى(4)} [النجم:34].
Page 309