وقد قرأت في «المقتطف» كلمة لقارئ فاضل يقول عني مما قال: «ويريك البداوة ممثلة في «وقفة في الصحراء» وهو يقول: هضابك أم هذي أو أذى عيلم، ويصف الوحش فيقول:
يلوذ ببطن الأرض، والأرض جمرة
خياشيمه م القيظ يبضضن بالدم
فتتسامح معه في عصيانه أهل القوافي حين يزج «آدم» في بيت من هذه القصيدة.»
وأنا أشكر القارئ الفاضل على الروح الطيب الذي كتب به كلمته، وأقول له: إنني لا أبالي بعصيان أهل القوافي كل المبالاة، ولكنني لم أعصهم هنا؛ لأن آدم على وزن أفعل من الأدمة، ولا خلاف بين أهل القوافي في جواز «أفعل» في هذه القافية؛ لأن المدة هنا همزتان متواليتان، وليست بألف التأسيس التي تلتزم في كل قافية من القصيدة.
ويقول القارئ الفاضل: «والديوان مليء بنظم الخواطر في الفلسفة، والحكمة، والاجتماع، تكسوها شاعريته حلة نقية، إذا هي لم يهتز لها الشعور فإنها مما يطول فيه التأمل، فكثير من شعره قد لا يشعل العاطفة، وإنما يطيل شغل العقل.»
وأنا أريد أن أكون موجزا ورجلا من رجال الأعمال لا من رجال النظريات في مناقشة هذه الملاحظة، فأنا أسأل القارئ الفاضل أن يذكر لنا إذا شاء شاعرا واحدا ينظم فيما يهتز له الشعور، ولا يطول فيه التأمل، ثم يختار من شعره الذي هو رضاه في هذا الباب عشرين قطعة أو ثلاثين أو أربعين، وأنا كفيل له أن أختار من شعر الديوان إحدى وعشرين أو إحدى وثلاثين أو إحدى وأربعين قطعة على مثالها، ومن معدنها وأزيده إذا زاد، وحسبه، إن شاء الله، أن يخلو هو بنفسه ويتناول ديوان شاعر واحد أيا كان، ويحصي ما فيه من تلك القطع التي تهزه ليقابله بعد ذلك بصاحب الديوان، فهذه هي الطريقة «العملية» التي يجوز بعدها الحكم وتعصم الناقد من الزلل.
ولست أشترط على الناقد شططا حين آخذه بالبحث في ديوان شاعر واحد لا أكثر؛ إذ إن المرء إنما يطالب بأن يكون شاعرا واحدا لا عشرة شعراء في ديوان! فمع هذا الشرط - الوحيد - أنا مستعد لسماع نتيجة البحث في ديوان أي شاعر شرقي أو غربي، وليكن الباحث مخلصا في بحثه وأنا بالانتظار!
الإيمان العلمي1
... قلتم في مقالكم عن عقول الأزهار إن شاعرا بلجيكيا اسمه مترلنك يصف الحيل التي تحتالها الأزهار لحفظ نوعها وزيادة انتشارها، ويستدل بعجائب الطبيعة على حكمة عظيمة في هذا الوجود، ولما كانت هذه الأمور تحيرني كثيرا فقد أردت أن أسألكم: هل وصل ذلك الشاعر بالعلم إلى الإيمان؟ وهل هو مؤمن؟ وإذا لم يكن مؤمنا فماذا ينتظر من العلم حتى يصل به إلى الدين.
Unknown page