تهمس فيها الذكر المحبوبة
لأن «الخيال الذي يحلق بصاحبه في أجواز الفضاء في ظلمة الليل وسكونه، لا يليق به بعد ذلك أن يراها كالهاوية المقلوبة؛ ثم لا يقنع بهذا وصفا فيراها كالجمجمة المنخوبة، وليست الجمجمة المنخوبة إلا عظمة مظلمة ضئيلة.»
ولو تذكر الصديق أننا نقول: إن السماء تروعنا وتهولنا، ولا نقول إنها تسرنا وتبهجنا لتذكر أيضا أن أشبه شيء بالروعة والهول هو وقفة الإنسان حين ينظر متهيبا على حافة الهاوية، وإن فراغ السماء المظلم الرهيب - وفيه النجوم - كفراغ الجمجمة التي تخيفنا وتهمس في نفوسنا بالذكر المحبوبة، أو تخيفنا لأنها تهمس في نفوسنا بتلك الذكر، وهي على تلك الحالة الموحشة، وليست الجمجمة عظيمة أو ضئيلة، ولكنها أهول خواء في الدنيا؛ لأنه خواء الرأس الإنساني وما فيه من فكر ورجاء ومشاهد وعوالم، وهي أهول من السماء والنجوم؛ لأن السماء والنجوم بعض ما تهمس به من ذكر الحياة.
وروى الأديب عن صديقه أنه ذكر هذين البيتين:
إن الجسوم مثناة جوارحها
إلا القلوب فصيغت وهي أحدان
لكل قلب قرين يستتم به
خلق وخلق فهل يرضيك نقصان؟
ثم قال: «هل تذكر هذا ويسيغه عقلك؟ وماذا تقول في ذلك وأعيننا تشهد وتشريح الأجسام يشهد أن في الجسم أعضاء كثيرة لا قرين لها مثل القلب، ففي الجسم كبد واحد، وطحال واحد، إلخ.»
وقد أجاب الأديب صديقه بما بدا له، ولكنه لو شاء الاختصار لقال له: إن الجوارح هي الأعضاء العوامل، وليست هي كل أعضاء الجسم الظاهرة والباطنة، وأن المقصود بالقلوب هنا ما يتمثل فيه الجانب المعنوي من الإنسان، أي الجانب المقابل للجسوم، وليس في الإنسان عضو يشارك القلب في هذا المعنى. •••
Unknown page