فأحست باكارا أنها مغلوبة، وأن حياتها في خطر إذا استغاثت، فعادت إلى سكونها وقالت: لقد ثبت لدي الآن أني مجنونة، فسر بي حيث شئت فلا أعصي أمرا، ولكن قل لي أين تذهب بي. - لقد قلت لك إننا ذاهبون إلى شارع مونتمارتر. - ولكن إلى أين؟
فأجابها بمنتهى البرود، إلى مستشفى المجانين. (18) المركبة الصفراء
لقد تركنا كولار ذاهبا بسريز إلى حيث أمره السير فيليام، فكان يقول لها: لا تجزعي أيتها السيدة واطمئني، فإني سأصحبك وأدافع عنك.
أما سريز فإنها لم توجس منه خيفة؛ لعلمها أنه صديق خطيبها، ولإنقاذه إياها من أيدي بيرابو، فكانت تسير إلى جنبه مطمئنة حتى وصلا إلى الشارع، وكان هناك مركبة صفراء كانت تنتظر كولار، فتقدم منها وطلب إلى سريز أن تصعد إليها، فعادت المخاوف إلى سريز، وخشيت من أن تعرض بنفسها لخطر جديد، فقالت له: لماذا لا نذهب على الأقدام؟ - إن منزلك بعيد. - إنني قادرة على المسير. - أما أنا فإني أتعب، ولا أستطيع أن أحتمل مثل هذه المشاق. - دعني إذن أسير وحدي. - إنني أخاف أن يقفو أثرك ولا تجدين من يحميك. ولم يجد خيرا من هذه الحجة لإرهابها ، فأطاعته وصعدت إلى المركبة، فصعد في إثرها وأمر السائق بالمسير.
وكان اضطراب سريز شديدا، ولم تنتبه إلى سرعة سير المركبة حتى بلغت بها إلى جسر السين، ورأت أنها قد عرجت إلى جهة الشمال في طريق الإينفاليد، فقالت برعب وقلق: إن السائق قد ضل، ولا أدري إلى أين يذهب بنا. - أنا أعلم. - ولكنه قد سار في غير الطريق التي يجب أن يسير بها. - كل السبل تؤدي إلى الجهة المقصودة.
فقالت سريز، وقد تضعضعت من هذا الجواب: دعني أنزل، فإني لا أريد أن أذهب في هذا الطريق.
ثم حاولت أن تفتح باب المركبة فوجدته محكم الإيصاد، فنظرت إلى الشارع فألفته خاليا مقفرا، فجعلت تستغيث بصوت مختلج لم يجبه غير الصدى.
أما كولار فإنه أشعل غليونه، وقال لها: لا تزعجي نفسك بصراخ لا يجديك، فليس هنا من يسمعك، وإذا أصغيت إلي تعلمين أني لا أريد بك شرا. - قل ما تشاء، إني مصغية إليك. - إني صديق ليون.
فعادت الطمأنينة إلى فؤادها عند ذكر اسم خطيبها، وقالت: إذن فلماذا لا تذهب بي إلى منزلي؟ - لأن ذلك ليس بوسعي؛ لأن ليون بخطر شديد، وإذا عدت إلى منزلك تعرضينه للموت.
فارتاعت سريز وقالت بملء الرعب: ليون يموت؟ - نعم، إذا رجعت إلى منزلك. - ولكن ما هذا الخطر الذي يتهدده، كيف أن بعدي عنه ينقذه؟ - هذا سر لا أستطيع أن أبوح به؛ لأنه سر سواي، ولكني أقول لك أنت إذا لم تطيعيني طاعة لا حد لها فإن خطيبك يموت قبل الغد.
Unknown page