في اليوم الثاني من تلك الحادثة جاء بيرابو في الساعة العاشرة حسب عادته، وكان قد اطمأنت نفسه لوعود أندريا ، لا سيما بما يتعلق بسريز، فمما قال له: طب نفسا يا عماه، فإن اليوم الذي تزف إلي ابنتك تجد على باب منزلك مركبة فيها كيس ملآن من الذهب، وبقربه سريز، فتذهب بها إلى خير بقعة خارج باريس، وتقضي معها شهر العسل.
وكان أندريا ضاغطا على بيرابو بثلاثة أمور: أولها خوفه من تهمة الاغتصاب وهو شر الذنوب، ثم حبه لسريز وما يجد بها من الهيام المبرح، ثم طمعه بملايين ذلك الإرث الخفي. فلما دخل إلى غرفته في الوزارة على ما قلناه دخل إليه فرناند، ولم يكن قد وصلت إليه تلك الرسالة الهائلة، فكان باسم الثغر طلق المحيا، شأن السعداء في الحب، فحيا رئيسه وقال: إني آت لأخبرك عن حفلة الأمس. - عسى ألا تكون قد ضجرت، فهل حدثوك عني بشيء؟ - نعم، وقد تملحت لك عذرا لعدم حضورك. - حسنا فعلت، والآن أيها الصديق إنك قد أصبحت من أشد خلصائي، فلا أجد بدا من أن أطلعك على جميع سري فأصغ إلي. إن هذه الفتاة قد ملكت قيادي، واسترقت فؤادي، وأنا الآن مضطر إلى الذهاب إليها، فأرجوك أن تنتقل إلى غرفتي وتنوب عني في قضاء الأشغال، ثم أعود بعد ساعة، وسأترك لك مفاتيح الصندوق، فإذا جاء أحد ليقبض شيئا فادفع له من هذا الصندوق.
وكان يوجد في هذا الصندوق اعتياديا ألف جنيه بين ذهب وأوراق مالية، واسمه صندوق المساعدات السرية.
وكانت تلك الغرفة التي فيها بيرابو قاعة واسعة، وعلى الباب الخارجي خادمان لنقل أوامره إلى سائر المأمورين، فقال بيرابو لفرناند: اذهب الآن واقفل غرفتك وعد إلي.
فامتثل فرناند.
أما بيرابو فإنه فتح الصندوق بمنتهى الخفة، وأخرج منه محفظة خضراء وأخفاها في جيبه، ثم أقفل الصندوق وعاد إلى مجلسه، ولما دخل فرناند أعطاه المفاتيح، وخرج بعد أن أوصى المأمورين أن يعتمدوا على صهره فيما يعرض لهم من الأشغال أثناء غيابه، ثم ركب مركبته وأمر السائق أن يسير مسرعا إلى سانت لازار.
ولم يطل مكوث فرناند في غرفة حميه حتى دخل إليه أحد الخادمين فقال له: إن على الباب رجلا يحمل إليك رسالة.
فأمره بإدخاله فدخل.
وكان هذا الرجل كولار، والرسالة هي الكتاب الذي كتبته هرمين.
فوصل منها إلى أبيها ومنه إلى أندريا الذي عهد إلى كولار بإيصاله، ففض فرناند الرسالة ولم يكد يأتي في تلاوتها على آخرها حتى امتقع لون وجهه، وأحس أن الأرض أعقبت عليه، وكان كولار قد قال له: إن امرأتين إحداهما كهلة والثانية صبية قد كلفتاه بإيصال هذه الرسالة. فعلم أنهما تريزا وهرمين، ثم قرأ الرسالة مرة ثانية، فأضاعت رشده ونسي موقفه، فخرج من تلك الغرفة مهرولا بغير قبعة وبغير رداء، وهو يرجو أن يراهما على الطريق، ولم يكن معه غير مفاتيح الصندوق.
Unknown page