356

Al-irth al-khafī: Rūkāmbūl (al-juzʾ al-awwal)

الإرث الخفي: روكامبول (الجزء الأول)

Genres

فوضع أندريا يده على جبينه ثم قال: إنك نبيلة وإنه نبيل، ولكني كيف أستطيع أن أنسى ذنوبي الماضية، وإذا بارزت هذا الرجل، فإما أن أقتله فأعاقبه على جرأته، أو يقتلني فأموت من أجلك، ويكون قتلي خير كفارة عن ذنوبي.

وقبل أن تجيب قال لها: أصغي ألا تسمعين صوت مركبة؟ - نعم. - إنها مركبة أرمان دون شك، فأسرعي إلى غرفتك إذ لا يجب أن يرانا سوية، ولكني أسألك قبل الافتراق إن تتعهدي بكتمان ما جرى في هذه الليلة. - سأكتم كل شيء. - وأن تأذني بالمبارزة. - إن الأمر شديد. - ولكنه واجب. - آذن، فاذهب وسأدعو لك الله وعسى ألا أخيب.

وافترق الاثنان فذهب كل إلى غرفته، إلا أن المركبة لم تكن مركبة أرمان كما وهم أندريا، لأن أرمان لم يعد إلا في الساعة الخامسة من الصباح.

ونام أندريا نوم المطمئن الواثق من فوزه في الدسيسة، لا سيما بعد ما رآه من إشفاق حنة عليه. وفي اليوم التالي برح القرية إلى باريس، فكان أول ما أجراه أنه غير هيئته وذهب إلى الفندق الذي يقيم فيه روكامبول، فلقيه في انتظاره ولكنه كان مقطب الجبين عابس الوجه، فضحك أندريا وقال: ألعلك غاضب لصفعة أمس؟ - وإذا دققت في حسابي، فإني أضيف إليها ضربة الخنجر.

وقد قال بلهجة جد خشي أندريا عواقبها، فقال له: ألعلك تمزح؟ - كلا، فلقد دنا الزمن الذي ينبغي أن أقر فيه معك على حال. - ماذا تريد بذلك؟ ألعلك تنوه عن حصتك من الغنيمة؟ - هو ذاك، فإني أريد أن يكون بيدي ما أستند عليه بعد الفوز في الحصول على الإيراد الذي وعدتني به، وهو الخمسون ألف فرنك. - إن طلبك حق وعدل، غير أنه كيف يمكن أن أدفع لك قبل أن أقبض؟ - لقد فكرت بذلك، فرأيت حل المشكلة سهلا ميسورا، وذلك أن تكتب لي صكا عليك بقيمة مليون فرنك، وتوقع عليه باسمك الحقيقي وهو أندريا، وصي ابن المرحوم الكونت أرمان دي كركاز، ثم تجعل التاريخ عن السنة القادمة. - لقد أصبت فإن الأمر سهل. - إذن أتكتب لي هذا الصك؟ - نعم، ومتى أردت. - إني أريده الآن.

فأجابه أندريا: كلا، بل أكتبه لك بعد غد؛ لأن من ينتظر قبض مليون فلا بد أن يكون حكيما، وأنا في حاجة الآن إلى حكمتك.

فامتثل روكامبول وقال: ليكن ما تريد، فسأنتظر إلى بعد غد.

56

ورجع أندريا إلى الكونت فأخبره باضطراره إلى مبارزة المركيز لسبب خطير، وأن المركيز قد أهانه إهانة لا سبيل بعد إلى المسالمة، ولا تغتسل إلا بالدماء، ثم طلب إليه أن يكون شاهده، وأن يجد له الشاهد الآخر. فبذل الكونت جهده كي يقف منه على السبب، غير أن أندريا كان مصرا على الكتمان، فعلم الكونت أن هذا الزاهد الورع لم يقدم على المبارزة وقتل الأرواح ومخالفة الشرائع الدينية إلا لأمر خطير، وأن هذا المركيز قد أهانه إهانة لا تغتفر، فرضي أن يكون شاهده وذهب إلى صديقه فرناند روشي يلتمس منه أن يكون الشاهد الثاني، فوجده في منزله ووجد عنده باكارا.

وكانت هرمين زوجة فرناند قد أحبت باكارا حبا شديدا، بعدما علمت أنها أنقذت زوجها من القتل والخراب، فأصبحت تثق بها ثقة غريبة، وتعهد إليها بتوزيع حسناتها على السائسين. وقد دعتها إليها في ذلك اليوم لمثل هذه الأغراض، فلما دخل أرمان طلب إلى فرناند أن يختلي به لشأن هام، ودخل وإياه إلى غرفة مجاورة للقاعة التي كانوا فيها، فأوجست باكارا خيفة من هذه الخلوة وأظهرت مخاوفها لهرمين، ثم استأذنت منها أن تقف على باب الغرفة فتسمع ما يقوله أرمان، ووقفت مصغية على الباب فعلمت أن أندريا يريد مبارزة المركيز، وأن أرمان وفرناند سيكونا شاهديه، فدهشت لما سمعت وأخبرت هرمين بما سمعته بعد أن طلبت إليها أن تكتم ذلك. ثم ودعتها وذهبت إلى الكونت الروسي فأخذته وذهبت به إلى منزلها، فدعت الفتاة اليهودية ونومتها وسألتها عن المبارزة وعن أندريا والمركيز، فكانت تجيب بكلام متقطع محصله أن هذا المركيز أشقر اللون، وليس هو أسمر كما يبدو من وجهه، ولكنه متنكر لأنه لا يريد قتل أندريا بل قتل أرمان.

Unknown page