وكان أندريا في الخامسة والعشرين من عمره، أشقر الشعر، ربعة القامة، جميل الطلعة، قوي الأعصاب، فدنا منها وهي منطرحة على المقعد بين حية وميتة، وقال لها بلطف: هيا بنا أيتها الحبيبة، فإنك لا تعلمين أني لا أزال على ما كنت عليه من حبك.
ثم أخذ بيدها، فنفرت وأفلتت منه وهي تصيح به: اذهب من هنا.
فقال لها بصوت المتهكم: إن ذهابي لا بد منه، ولكننا نذهب سواء؛ لأني ما أتيت إلا لأجلك، وقد شدت لك قصرا في نابولي، فهلم بنا إليه نقيم على رغد العيش ونعيم الحياة.
فرجعت مرتا منذعرة إلى أن لصقت بالحائط، وقالت: كلا، ذلك لا يكون فاذهب عني لأني أبغضك. - ذلك ممكن، ولكني أحبك، فالبسي شيئا يقيك البرد وهلمي بنا فإن الوقت ضيق.
ولما رأى منها ذلك النفور، وأيقن أنها لا يمكن أن تتبعه عن رضى، أقبل عليها وحاول أن يحملها بين ذراعيه ويفر بها، فصرخت تستغيث: إلي يا أهل النجدة، إلي يا أهل المروءة، إلي يا أهل العرض!
فلم يجبها غير الصدى، أما أندريا فإنه حملها بين يديه ومشى بها إلى الباب، وفيما هو يسير بها وهي تستغيث ولا مجيب، إذ سمعت وقع أقدام سريعة على السلم، وكأنها علمت أن تلك الخطوات هي خطوات أرمان، فصرخت بذلك الصوت الذي تستغيث به النساء في موقف الخطر: إلي يا أرمان.
فألقاها أندريا على مقعد في ساحة الدار، وتأهب للقاء عدوه الألد.
أما مرتا فإنها لم تنقطع عن الصراخ، ولم تكف عن الاستغاثة حتى بلغ صوتها إلى مسمع أرمان، فهرول إليها كالنمر المفترس.
وقابله أندريا على الباب، فصرخ به أرمان: إلى الوراء أيها المختلس.
فأجابه أندريا بمثل هذا الشتم، ثم جردا خنجريهما، والتحم بينهما القتال، فلم ير أشد هولا من هذه الساعة.
Unknown page