18
بحيث كان على الرؤساء، حرصا على مصلحتهم الخاصة، أن يعملوا على تصريف الشئون العامة طبقا للقوانين التي سنت من قبل، والتي كان الجميع يعرفونها معرفة لا بأس بها، وذلك إذا أراد هؤلاء الرؤساء أن يكونوا موضع أعظم احترام من الشعب، الذي كان يبجلهم، عندما يتوافر فيهم هذا الشرط، باعتبارهم رسل مملكة السموات وخلفاء الله. أما إذا لم يتوافر فيهم هذا الشرط (أي إذا خرقوا القوانين) فلم يكن من الممكن أن يسلموا من كراهية الرعية لهم (وهي أشد ألوان الكراهية، كما هي العادة في كل كراهية لاهوتية) وهناك عامل آخر ساعد على منع نقباء الأسباط من الاندفاع وراء أطماعهم، هو تكليف جميع المواطنين بالخدمة العسكرية (من العشرين إلى الستين بلا استثناء) وحظر استقدام النقباء للمرتزقة من الخارج، وكان لهذا الإجراء أثر كبير، إذ يحتاج الطغاة، من أجل قهر الشعب، إلى جيش يرتزق منهم، فضلا عن أن هؤلاء الطغاة لا يخشون شيئا بقدر ما يخشون جيشا يتألف من مواطنين أحرار بذلوا شجاعتهم وجهدهم وأريق دمهم في سبيل عزة الوطن وحريته؛ ولهذا السبب فإن الإسكندر عندما كان عليه محاربة داريوس للمرة الثانية، لم ينفجر غضبا على بارمينون بعد أن سمع منه نصيحته، بل غضب على بوليسبرخون، الذي أبدى رأي بارمينون نفسه؛ ذلك لأنه فيما يقول كوينتوس كوريتوس، (الكتاب الرابع: 13): «لم يجرؤ على توجيه اللوم مرة أخرى إلى بارمينون، بعد أن كان قد غضب عليه من قبل غضبا شديدا، ولم يستطع القضاء على حرية المقدونيين، التي كان يخشاها، إلا بعد أن أسر من الجنود عددا أكبر من المقدونيين، وأدخلهم في جيشه، بعد ذلك أطلق لانفعالاته العنان، بعد أن كانت حرية فضلاء المواطنين قد كبتها طويلا. فإذا كانت حرية الجيش المؤلف من مواطنين تسطيع أن تكبح جماح انفعالات رؤساء دولة أقامها البشر، وهم الذين اعتادوا أن يحتفظوا لأنفسهم بكل أمجاد النصر، فإن تأثيرها ولا شك كان أعظم بكثير على رؤساء العبرانيين الذين حارب جنودهم في سبيل المجد الإلهي، لا مجد أحد الرؤساء، ولم يكونوا يبدءون معركة قبل أن يستشيروا الله ويسمعوا إجابته.
ولنضف إلى ذلك ثانيا أن نقباء الأسباط لم يرتبطوا فيما بينهم إلا برباط الدين المشترك، فإذا بدأ أحدهم في التخلي عنه والنيل من حق الفرد الإلهي،
19
كان من حق الآخرين القضاء عليه وكأنه عدو.
ثالثا:
يجب أن نذكر أيضا الخوف من ظهور نبي جديد، فقد كان يكفي أن يأتي إنسان معروف بالشرف ويبرهن ببعض الآيات الصحيحة على نبوته ليكون له حق مطلق في إعطاء الأوامر بوصفه ممثلا لله الذي تكشف له وحده، مثل موسى لا بوصفه ممثلا لله بتوسط الحبر على طريقة الأسباط. ولا شك أن أمثال هؤلاء الأنبياء كانوا يستطيعون بسهولة اكتساب ثقة الشعب المضطهد وإقناعه بكل ما يريدون بآيات يسيرة. وعلى العكس إذا استطاع النقيب أن ينظم الشئون العامة باستقامة أمكنه أن يتدخل في الوقت المناسب وأن يجعل النبي يمثل أمام محكمته، حتى يعلم بأنه كان يعيش عيشة شريفة حقا، وإن كان قد تلقى بالفعل آيات على بعثته، وإن كان ما يقوله وما يدعي أنه من عند الله متفقا مع العقيدة الدينية الموروثة ومع التشريع الوطني العام، فإن لم تكن للآيات القيمة المطلوبة، أو كانت التعاليم بدعة، كان من حق النقيب الحكم عليه بالموت، وإلا تم الاعتراف بالنبي، على ألا يكون ذلك إلا بناء على سلطة النقيب وبشهادته.
رابعا:
لم يكن نقيب السبط يفضل مواطنيه في النبل والعظمة أو في أي حق موروث، بل كان يعهد إليه بحكم الدولة نظرا لسنه وفضيلته وحدهما.
وأخيرا:
Unknown page