Rihla Fi Fikr Zaki Najib Mahmud
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Genres
ومع ذلك فقد درج حتى كونته الطبيعة إلى أن وصل إلى مراتب العظمة والخلود ...
20
وعلى الرغم من أن المقال ينطوي بصفة عامة على الإشادة بمناقب أبي بكر، فإنه لا يخلو من نقد لجوانب الضعف التي ارتآها في «خليفة عرف بالصلابة والحكمة في جميع مواقفه».
21
و«لعل هذا التناقض راجع إلى صفتين بارزتين في أبي بكر وهما: مضاء العزيمة والرقة، فبينما كان يصول صولة الأسد في وجه المرتدين الكفار؛ إذ نراه يداعب الفقراء واليتامى في حنان وعطف.»
22
واهتمام مفكرنا بتحليل الشخصيات الإسلامية الكبيرة، وهو في الثالثة والعشرين، يدعم الفكرة التي نحاول عرضها في هذا البحث، والتي تقول: إن زكي نجيب محمود قد بدأ متدينا وانتهى متدينا، فقد لازمته المشاعر الدينية طوال حياته، ولم يتخل عنها قط، وإن كانت قد توارت في فترة معينة؛ فالسبب أنه رأى عندئذ أن ما يحتاجه مجتمعه هو ضرورة الاهتمام «بمنطق العقل» الذي هو صانع الحضارة، والذي اختفى من ثقافتنا نظرا لسيادة الوجدان والمشاعر الدينية، وإن لم يتخل عن هذه الجوانب أبدا، ولكنها كانت في «مرحلة كمون» تنتظر الفرصة السانحة للظهور، وقد واتته هذه الفرصة في السنوات الخمس التي قضاها أستاذا بجامعة الكويت.
وينتمي إلى هذه المرحلة أيضا مقاله الجميل عن «هجرة الروح»، وقد كتبه في ذكرى «الهجرة النبوية» وبوحي «هذا اليوم الخالد»، وقد أراد أن يقدم معنى جديدا للهجرة، فلئن هاجر النبي من مكة إلى المدينة «فجاءه نصر الله والفتح ... فهاجر أنت من خلال العقل إلى إيمان القلب والسكينة والقرار. ولقد كانت هجرة النبي مولدا جديدا لرسالته، فأرجو أن تكون هجرتك من كتب إلى كتب بحثا جديدا لروحك المعذب الظمآن.»
23
وهو يحاول، في هذا المقال أن يبرهن على «خلود الروح» ببرهان في غاية البساطة يعتمد أساسا على رغبة الإنسان في الخلود، وأمله في أن يتحقق له الخلود بعد الموت، «فرغبة الإنسان في الطعام ما كانت لتوجد لو لم يكن الطعام موجودا، ورغبة الإنسان في زمالة الأصدقاء يستحيل أن تنشأ إن لم يكن للإنسان الواحد ناس يزاملونه ويصادقونه ... ويستحيل أن يكون لدى الإنسان رغبة في الخلود ما لم يجد في فطرته وجبلته ما يوحي إليه أنه خالد ...»
Unknown page