وقد سكت البلبل في القفص، وسكتت في الأودية الرياح.
الفريكة، في 1 شباط، سنة 1913 (5) الأناشيد الثلاث (من كتاب خالد)
وضعه المؤلف باللغة الإنكليزية وهو مقسوم إلى ثلاثة أقسام عنوان الأول «في السوق» والثاني «في الهيكل» والثالث «في كل مكان» وقد افتتح كل قسم بأنشودة: رمز فيها إلى معناه، أولها وهي فاتحة القسم الأول: «إلى الإنسان» والثانية: «إلى الطبيعة» والثالثة: «إلى الله».
إلى الإنسان
مهما جزل خيرك، ومهما تفاقم شرك، لا أزال أخاك، مهما عليت في مدارج الحياة، ومهما تسفلت لا أزال أخلص لك، وأؤمن بك، وأحبك. أفلست عالما بما فيك، بما يأسرك، وبما يناديك؟ ألم تدمني تلك البراثن، أولم تشفني تلك الأجنحة؟ تعال إذا، تطلع إلى العلياء، ها هو الهيكل الكلي الأكبر وقد جعل محطا لنا لا محجة.
ولقد تشيد عند معالم المشرق والمغرب، فوق الجبال المشرفة على الغرب تحتها وعلى الشرق، هيكل الأمم جمعاء لا تعبد فيه آلهة كاذبة باطلة. فإن آلهة الفلسفة واللاهوت والآلهة التي صورها الإنسان على صورته البشرية الفانية وآلهة الكهان والأنبياء؛ لمدفونة كلها تحت ينبوع الهيكل، وقد غدا مذبحا ومحرابا - ينبوع الهيكل الذي تتدفق منه روح بارينا الأزلية - بارينا المحيي المميت، يغضي الطرف حين تنشب البراثن في قلبنا، ويبتسم حين تظهر الأجنحة في جروحنا، وحقا إن رب الدموع والابتسام ربنا، وينبوعه في ذا الهيكل فائض مدى الدهر، قف ها هنا وارتو، قف ها هنا وارتو .
إلى الطبيعة
أيتها الأم الأزلية، السماوية الجهنمية، المكتنفة الأكوان، المغذية أحياءها، الملتهمة أبناءها، إني لك أبدا سرمدا، أيتها الآلهة المتوجة بالنجوم، المنتعلة الدرر واللآلئ؛ إني لك أبدا سرمدا ولئن كنت وليد هزيمك وجيشانك، أو ثمرة من ثمار أحشائك، أو شعاعا روحيا من نورك، أو فلذة صماء عمياء كونت من دمعك وابتسامك، أو يراعة آبدة من العقل الذي فيك أو في ما فوقك، فإني لك أبدا سرمدا، ها أنا ذا أمامك، أخر ساجدا عند قدميك، أسلم نفسي وكلي إليك، المسيني أيضا بقضيب سحرك الإلهي، اطرحيني ثانيا في بودقتك السرية، أعدي صنعي ولا تحرميني مما فيك شيئا، أكثري في من سكينة جبالك، وسمو سمائك، وهول بحارك، وقدس أحراجك، وصفاء ينابيعك، وشمم أرزك وثبات الراسيات في أرضك.
عانقيني واهمسي في أذني بعض أسرارك، املئي حواسي وكياني من نفحاتك ونسماتك، افتحي أمامي أعماق روحك المخيفة الهائلة، اطرحيني على صدر عواطفك يسر إلي بعض ما فيك من قوة وعز وعظمة وجلال، اغمسيني في مغيب شمسك علني أفوز ببعض شيء من إلهيات فنونك. أنشديني نشيد السر أيتها الأم الأزلية، كأسا من حبك السماوي الجهنمي، فإني لأقبل الرأفة والعسف منك لأعرف السر في عسفك ورأفك.
امسحيني بزيت البداهة المقدس لأظل قمينا لك، ولا تصديني ولا تجفيني، فيضمحل في الصميم من الحب، العميم من العطف والمبرة، يا أيتها الأم الأزلية مليكة العرش الأزرق والقبة الزرقاء، إني أبتهل إليك، وأقبل رجليك، وأطرح بنفسي بل بكلي لديك، ولست متشوفا إلى ما عسى أن يكون ومنك، فلئن صرت مجمرة في يد كاهنك الأكبر غدا، أو بخورا مني في المجمرة، أو يراعة في هيكلك، أو سراجا مطفيا في محرابك أو لو صرت كوكبا في منطقتك، أو شمسا في تاجك، أو لؤلؤة في نعلك، لتريني قانعا راضيا لأنني متيقن أن ذلك خير كله وسلام.
Unknown page