259

هؤلاء نجلهم ونكبرهم، ولا نجل من الناس سواهم، ولا يهمنا من الطوائف والملل غير المتساهلة الراقية منها، تلك التي يقف رؤساؤها عند واجباتهم فلا يتعدونها، ويزرعون في قلوب الناس حب الحرية الأدبية والروحية قبل كل شيء، ولا يناهضون روح الثورة - أي: سنة الارتقاء المقدسة - وإنما يهمنا ويهم كل ذي شعور حي شريف أن ينتصر الهدى على الضلال، وأن تكلل الحقيقة في الفنون والجمال، يهمنا أن تعزز الحرية الشخصية في كل مكان، يهمنا أن يتمتع بحق المساواة تجاه الأحكام كل من بني الإنسان، نهتم لما كان سديدا من التعاليم، سليما من العقائد، ساميا من الآراء.

أجل، إن التعاليم السديدة السامية لا تفسد أحدا من البشر، وهي لا تفسد مدى الدهر، وإن روح الثورة التي تتغذى دائما بها لا تخمد ولا تضمحل، وإنما لها هجعات ولها يقظات، ومتى أنار الله مصباحها في دوائر الأدب والدين والسياسة، وشعرت الأمة شعورا حقيقيا صافيا أن العدل أساس الملك، وأن العمل به واجب مقدس، وأن طلب الحقيقة وحب الجمال في الحقيقة ضرورة من ضرورات حياتها، وأن الحرية نور يومها والشجاعة هواؤها وسماؤها؛ متى أصبحت الأمة تدرك هذه الجوهريات، وتجد في طلبها وتسعى لتحقيقها، بشرها بفوز مبين في مضمار الرقي والمجد والعمران.

الأخلاق1

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

شوقي

أيها السادة والسيدات

لم يخلق الإنسان أميرا ولا كاهنا ولا سلطانا، وما خلق بوذيا ولا مجوسيا ولا مسيحيا ولا مسلما، إنما هي الشرائع تسترق والأديان تفرق، أما السيادة فللعقل، وأما التفاضل فبالمآثر والمبرات، أجل، ولا ينبغي أن يرفع امرؤ على آخر ويفضل بغير عقله ونفسه وأدبه وأخلاقه. كل منا خص بلقب من خالقه أشرف من ألقاب الملوك والسلاطين، ألا هو لقب «إنسان»، ولكل منا حقوق طبيعية متساوية ملازمة غير متعدية لا يستحق أن يدعى بشرا من ينام عنها أو يغضي عن امتهانها، ولكل منا حقوق سياسية اجتماعية تنشأ في حياتنا المدنية ومنها. عار علينا أن نسكت عمن يهتضمها من أولي الرئاسة والإمارة.

وأرى ملوكا لا تحوط رعية

فعلى م تؤخذ جزية ومكوس؟

Unknown page