وتتم المغالطة الكبرى بالخلط السريع للأوراق، ولا يبقى مكان في العالم يصلح لليهود، ومن حق اليهود، وترضى به النفس الأوروبية المعذبة دون أن تخسر أرضا، سوى الوطن اليهودي الذي سلبه الفلسطينيون، والأمر مشروع قدسيا بقرار إلهي بالكتاب المقدس المصدق وتلك إرادة الله الذي لا راد لقضائه!
التزوير في الخطاب
والوقوف مع الترنيمة المعذبة لليهود حول الجريمة النازية، يكشف لنا بعدا آخر بالخطاب الصهيوني، وهي وقفة للتذكير بمجموعة حقائق، تساعد على حل اللغز الذي طرحه السيد شامير، في قوله إن المذبحة الهتلرية، كانت السبب الحقيقي وراء قيام دولة إسرائيل!
ربما مازلنا نذكر ما حدث في بغداد مع بدء الهجرة اليهودية المنظمة إلى إسرائيل، بتخطيط وإشراف الصهاينة، عندما تردد يهود العراق في قيد أسمائهم بكشوف الهجرة، فلجأت العصابات الصهيونية المسلحة إلى إلقاء القنابل على مركز التجمع اليهودي لإشعارهم أنهم في خطر، لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل. وهو الحدث الذي تزامن مع حالات أخرى شبيهة في مواقع أخرى من العالم. كما تزامن مع بداية النشاط الفعلي للصهيونية العالمية. وكان أخطر تلك الأساليب هو ما حدث في ألمانيا النازية، في قضية إنجمان المعروفة. وما كشفت عنه د. حنا أرندت في كتابها «إنجمان في القدس»، وأوردت به مجموعة وثائق تثبت وجود تعاون وثيق بين السلطات النازية، وبين المؤسسة الصهيونية في فلسطين، وأن من بنود ذلك التعاون، أنه كان بإمكان أي يهودي ألماني أن يهاجر إلى إسرائيل، شريطة أن يحول أمواله إلى بضائع ألمانية. وقد قدم إنجمان مساحات من الأرض للصهاينة كمعسكرات تجمع لليهود ولتهجيرهم بالإكراه إلى فلسطين.
أما ما حدث ليهود تلك المعسكرات، فهو البشاعات التي كشفت عنها قضية كاستنر، الذي باع يهود تلك المعسكرات للنازي، بالتعاون مع إنجمان، وهي من القضايا التي هزت إسرائيل، وكشفت أن زعماء الصهاينة وقياداتهم قاموا بتجهيز أغنياء اليهود إلى فلسطين للحصول على الأموال، إضافة للعناصر الفعالة كالعلماء والشباب، بينما تركت في المعسكرات بقية اليهود من عناصر غير مرغوب فيها، وهو من تمت إبادتهم على يد النازي، بعلم القيادات الصهيونية وتعاونها، لكسب العطف والتأييد العالمي، وهو ما أدى بعد ذلك وبالفعل إلى قيام دولة إسرائيل.
وبموجب الاتفاق، قام إنجمان بتأمين قطار خاص لحمل المهاجرين من النخبة المختارة الممتازة، ورافقهم بعض النازيين إلى الحدود لضمان سلامتهم، وقد قال كاستنر أن عددهم كان 1684 شخصا غادروا إلى إسرائيل، مقابل 476000 تمت التضحية بهم في المجزرة، وهو الأمر الذي يفسر لنا تأكيد شامير على أن تلك المجزرة كانت السبب وراء قيام إسرائيل.
وقد شهد على تلك المؤامرة الكبرى أحد القلائل الذين تمكنوا من الفرار من معسكر «أوشيتز»، هو «رودلف فربا»، وذلك في جريدة لندن ديلي هيرالد، عام 1961م، بقوله: «نعم أنا يهودي، لكني أتهم قادة اليهود بأنهم أبشع ممارسي الحروب، فتلك المجموعة كانت على علم مسبق بما سيحدث لإخوانهم في غرف الغاز النازية، ومن بينهم كاستنر رئيس مجلس يهود هنغاريا، وقد استقل عدد كبير من يهود هنغاريا الفقراء قطارات النقل طائعين دون مقاومة؛ لأنهم كانوا قد أخذوا تطمينات من القادة الصهاينة أنهم في طريقهم إلى الحرية، بينما كانوا يساقون إلى الإعدام.» أما جريدة صوت الشعب الإسرائيلية فقد قالت في عام 1955م: «إن كل أولئك الأشخاص، الذين ذبح الألمان أقرباءهم في هنغاريا، يعلمون الآن وبوضوح أن قيادات الصهاينة هي التي دبرت الجريمة مع النازي.»
ولما فاحت الفضيحة، وقدم كاستنر للمحاكمة في إسرائيل بضغط الرأي العام لكشف الحقائق، عقبت صحيفة يديعوت أحرونوت في 1955م بقولها: «إنه إذا تم تقديم كاستنر للمحاكمة فإن الدولة برمتها ستنهار، سياسيا ووطنيا، نتيجة ما ستكشف عنه تلك المحاكمة.» ولم يمض قليل على بدء المحاكمة، حتى سقط كاستنر صريعا رميا بالرصاص من مجهول، وكشف بعد ذلك أن قاتله هو إكشتاين العميل السري في جهاز الموساد.
وكان السؤال هل من المعقول أن تقدم القيادة الصهيونية هذا العدد الهائل من اليهود للذبح؟ يجد إجابته أولا في قيام الدولة، وثانيا شهادات منها شهادة «موشى شوايفر» مساعد كاستنر الذي قال بهدوء: نعم كان يهود هنغاريا عددا كبيرا، لكنهم للأسف لم يكونوا يتمتعون بأي أيديولوجية يهودية.
أما قائد الهاجاناه «فايفل بولكس»، فقد التقى بانجمان في جروبي القاهرة، وأبدى رضاه التام عن سير التعاون اليهودي مع النازي كما هو مرسوم له (انظر مجموعة وثائق التعاون النازي الصهيوني، كالتون، أستراليا).
Unknown page