وفراؤه المخملي يمتد على طول جسمه من الصدغ إلى الذنب، وهو يروح ويغدو حاكا دفئه بسيقان الأطفال العارية.
والولد الذي لم ير القط من قبل في قمة الانفعال، بينما الطفلة مأخوذة بفرائه الأسود كالليل، وبقفازات مخالبه الناعمة كريشة فنان، والجدة الأكثر خبرة في كثير من الأشياء تضفي علي القط وفرائه فضيلة جلب السعادة.
ولم يتركنا القط، وفوق وسادة من الحرير الخفيف التي تشبه الظلال مطرزة بخيوط من الذهب أخذ ينام ليلا ونهارا، وكأنه سيستريح طوال حياته من مشاق ثقيلة أنهكته في حياته السابقة، ولما كنا نعمل بلا راحة، فقد سعدنا بأن نؤوي في بيتنا عاشق الراحة والكسل الباسم، وقد زينا الحجرة التي ينام فيها قطنا بأثمن ما نملك من مقدسات: الذبالة والكتب والأيقونات، وما احتفظنا به من مخلفات الأجداد كساعة الحائط التي تدق الساعات في بطء كأنها ناقوس البرج، والأبسطة الصوفية المخططة كأنها الطرق عندما تستحم بضوء الشمس، وشرابة حرير من المفرش تداعب أذن القط، وكأنها فراشة سوداء نسيت على صدغه ذي الشوارب.
إنه يغزل كالمغزل، ويوشوش كالبحر، ويغني كالريح، ويصفر كسيقان القمح، على نحو ما تنتحب الغابة، والماء ينساب منها، ويئن الصفصاف وتزمجر العاصفة، وهو في نومه يضع أذنه على الأرض ليسمع مزهر العالم، وصوته يغني في كل شيء في السماء وفوق الأرض، وفي الهاوية، وفوق القمم الضاربة في الفضاء، وحلمه يسمع كصدى قيثارات المياه! (3) شجرة العرائس
1
ما دمتم قد كنتم عقلاء، وما دمتم لم تدقوا اليوم الطبل بالعصي فوق الطست، وما دمتم لم ترموا الأطباق من النافذة، وما دمتم لم تكسروا أسنان الأقلام التي أشحذها بعناية كل يوم، وما دمتم لم تتركوا الصنابير مفتوحة تغرق البيت كله، وما دمتم لم تلطخوا مقابض الأبواب بالمربى، وما دمتم لم ترموا في النار كيس طباقي، وما دمتم لم تحاولوا إصلاح ساعتي بالشاكوش ولم تشووها بعد، ما دمتم لم تصنعوا من حذائي حساء، وما دمتم لم تحدثوا خروقا وفتحات جديدة في ملابسي، فإنني سأصحبكم معي! نعم ... هيا يا صغاري الأعزاء! البنت مع بابا، والولد مع ماما لنتنزه في الحقول بصحبة كلبنا جريفي!
سنخترق أولا ستائر الأعشاب المجنونة، ونسير عبر غابات الشيح، وعبر دانتيللا براعم الأقحوان الصفراء.
وبمجرد أن نخرج من هذه الجنة الوحشية، ستحس أقدامكم بعش القديس جان ندوس على بساطه: أنا بأرجلي الكبيرة، وأنتم بكعوبكم الصغيرة التي تشبه قطع الخبز المجمرة الوردية، ولا تلقوا علي أسئلة كثيرة في وقت واحد حتى لا أرتبك، ولا تكونوا طلعة فتسألوا لماذا الأرض سوداء والعشب أخضر والسماء زرقاء؛ وذلك لأنني لا أعرف شيئا عن ذلك إطلاقا! وستنطلق أمامنا عصافير، وقطا مستحيل الجسد، وغربان كبيرة، فلا تسألوني كيف ولماذا تطير لأنني لا أعرف، ولا ترموني بالحجارة، وإلا اختفيت في العشب، ورفضت أن أستمر في السير ما لم يعطني كل منكم عشر قبلات صغيرة؛ واحدة على خدي، والثانية على الخد الآخر، وعلى الذقن، وعلى طول أذني، وعلى عيني مغلقة.
ماذا كنت أقول؟ ... آه نعم ... تذكرت ... ما دمتم قد كنتم عقلاء، فسأريكم شيئا على الناحية الأخرى من القناة، وهو الطاحونة، حيث ترون رجلا عجوزا ذا لحية من الكتان وحواجب كالفرشة يطحن طوال النهار الدقيق الجيد لصنع الحلوى، ولن تأخذوا في الصياح عندما نمر إلى جوار الطاحونة؛ لأن العجوز سيخرج إلى العتبة ويهددنا بإصبعه الطويل كالعصا، وعندئذ سأرفع ساقي إلى عنقي! وإذا أمسك بكم العجوز فإنه سيضطركم إلى صنع كرات صغيرة من دقيق الذرة لفئران الطاحونة، ولديه منها ما يقرب من الثمانمائة!
وعند عبور القناة سأحملكما أنتما الاثنين على ظهري: أحدهما على الكتف الأيمن، والآخر على الكتف الأيسر؛ لكي لا تمسك الكابوريا بأرجلكم، وتنغمس في صفحة أقدامكما، وسترون في الماء بهيمة كبيرة وطفليها فوق ظهرها، منحنيين فوق القناة، فلا تسألاني عنهم، ولا تسخرا مني، وإلا انحنيت في الماء على أربع، وعبرت في هذا الوضع بكم القناة، وأنا أصيح «كواك كواك» مثل هذه الضفدعة التي أخرجت من الماء خيطومها الأخضر لكي تضللنا وتخيفنا.
Unknown page